في الدقيقة 118 أدركت تماما ان المنتخب الاسباني سيكسب موقعة الدور ربع النهائي ببطولة أوروبا لكرة القدم امام نظيره الألماني، وبالفعل، بعد دقيقة واحدة فقط جاء الهدف القاضي على آمال مضيفة البطولة. كانت المباراة آنذاك تلفظ أنفاسها الأخيرة ونتيجة التعادل بهدف لمثله مسيطرة على المشهد، ولكنني لم أتصور قط أن المباراة ستمتد إلى ركلات الترجيح ولست أعلم على وجه التحديد لماذا انتابني هذا الشعور في حينه!
قد يكون الوقت متأخرا على استيعابي لقدرات منتخب “الماتادور”، الذي بادر بالتسجيل في الدقيقة 51، وكان متقدما بالنتيجة حتى قبل نهاية الوقت الأصلي من المباراة، وظل متماسكا تحت وطأة الضغط الألماني العنيف الذي أثمر عن تسجيل التعادل لمنتخب الماكينات بعد وابل من الهجمات التي لم تتوقف وذلك في الدقيقة 89، لينتهي الوقت الأصلي ويلجأ الفريقان إلى الأوقات الإضافية التي حسمها الإسبان لصالحهم.
لكن من كان يتوقع أن يخرج أصحاب الأرض وأبرز المرشحين لنيل اللقب بهذه الكيفية الدراماتيكية، خصوصا بعدما استطاعت ألمانيا تعديل تأخرها بالنتيجة وأنقذت نفسها بتمديد المباراة الى الاشواط الاضافية بفضل هديرها الهجومي المتواصل؟!
واستطيع القول إن أكثر شيء شغلني في تلك الأثناء المثيرة، هو محاولة الإجابة العبثية على سؤال جدلي في عالم كرة القدم، وأعني هنا ترجيح كفة طرف على آخر بفضل ميزة من شأنها أن ترفع من حظوظه في حسم ملحمة طاحنة لا تقبل القسمة على اثنين، وكانت ألمانيا في المباراة تمثل الإصرار بينما تمثل إسبانيا المهارة؟!
والنتيجة كما رأيتم جميعا، صبت في خانة الأسبان رغم أن العوامل الإيجابية كانت في صالح المانيا بوصفها البلد المنظم والمدعوم جماهيريا وشعبيا بشكل مطلق. اما الاسبان فقد كانت العقبة التي امامهم تتمثل في القضاء على كتيبة لا تموت او هكذا عرف عنها على مدار التاريخ!
لكن المهارة قاتلة على ما يبدو، تماما كما “الضربة القاضية” تحطم أمال الخصم وتفقده القدرة على الاستمرار، وبتفصيل اكثر، المهارة تؤدي الى النتيجة المطلوبة بخطوة واحدة، بينما الإصرار يحتاج إلى خطوات حتى يتحقق الهدف، وبمعنى آخر المهارة هي الابداع في إيجاد الطرق والحلول، بينما الإصرار هو الجدية وتكرار المحاولات.
ختاما، كانت نمطية المنتخب الإسباني المرنة، تشبه “الماتادور” وهو مصارع الثيران الذي يحاول أن يسقط الحيوان الضخم الهائج بكل رشاقة وخفة، ولست أدري كيف فعل الأسباني ذلك بألمانيا التي وضعت ثقتها في المدرب ناغلسمان ذو الـ 36 عاما، واعتقدت أنه سيقودها في رحلة ناجحة إلى معانقة اللقب الأوروبي، رغم كل ما يحيق طريقها من مخاطر وألغام تحتاج إلى النجاعة والخبرة أكثر من أي شيء آخر!