عادت بي الذاكرة إلى “سنوات العز الكروي” في التصفيات المؤهلة لكأس العالم وكأس آسيا في العام 2004 أثناء متابعتي مجريات قرعة المرحلة الثانية من تصفيات قارة آسيا المؤهلة لمونديال 2026 وبالتحديد عندما شاهدت اليابان على رأس قائمة المجموعة الثالثة التي تضم إلى جانب منتخبنا كلاً من اليابان وأستراليا والسعودية والصين واندونيسيا!!
ربما يقول البعض إن “التاجر المفلس يعود إلى دفاتره القديمة”، ولكنني أرى أن موازين التنافس في عالم كرة القدم لا يمكن بأي حال من الأحوال قياسها بمنظور مادي بحت كمدرب أو لاعب، دون التعرض إلى عوامل ومؤثرات معنوية تلعب دورًا حاسمًا في الكثير من الأحيان كالجدية والثقة، وهناك قصص لا حصر لها شهدت انهيار إمبراطوريات كروية أمام قوى صاعدة لا تملك في جعبتها سوى الطموح وكسر المعتقدات البالية، أو الصورة النمطية كما فعلت اليونان في يوريو 2004!
وقد يقول آخرون عن ذلك، إنه لا خير في طموح واهم على أطلال ملاحم أسطورية حصلت في الماضي ولن تتكرّر في المستقبل، ولا شيء يعيد الزمن، وكأن الذاهبين في هذا الاتجاه انطبعت في رأسهم فكرة أن عودة منتخبنا إلى المنافسة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم لا بد وأن تكون بذات الكيفية السابقة، وإلا فإن الحصول على تذكرة المونديال مستحيلة!
بينما يقول من يعرف كرة القدم جيدًا، إنها لعبة تحركها الكثير من الدوافع، وإنه لا بأس في المحاولة، والتشجيع على المحاولة مرة بعد أخرى، والمنافسة حتى الرمق الأخير والتمتع بالثقة والإصرار، واستغلال نقاط القوة والتعامل بذكاء مع مجريات الأحداث، لأنها عوامل قد تفضي إلى نتيجة إيجابية في نهاية المطاف، آخذين بمقولة أن لكل مجتهد نصيبا، فمتى ما اجتهدنا على جميع الأصعدة والمستويات متى ما أصبنا أهدافنا بكل دقة واستحقاق.
وفي اعتقادي إن مسيرة منتخبنا الوطني مع “حلم الصعود لكأس العالم”، مرتبطة بمسيرة وطن بأكمله وليست مجموعة من الأفراد، أي أن مملكة البحرين تطمح في التواجد بهذا الاستحقاق العالمي الكبير، وأنها تملك خبرات تراكمية جيدة متمثلة في الكوادر الرياضية من اللاعبين والإداريين الذين عايشوا حقبة “العز الكروي”، ما يجعلهم نقطة قوة يمكن أن تدفع منتخبنا إلى الأمام في المرحلة المقبلة من عمر التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم المقبلة.
ختامًا، قد يظن البعض أنني متفائل في وضع لا يشجّع على التفاؤل، لكنني أرى أن وراء كل تحد فرصة، وكلما كان التحدي كبيرًا كانت الفرصة أكبر، وما دمنا وقعنا في المجموعة الأصعب -حسب اعتقادي- فإننا أمام الفرصة الأكبر، ولا تسألني كيف، لأنني لا أقرأ الفنجان أو أفك الودع، وإنما أتنبأ من واقع قراءة مستفيضة لمجريات تاريخ كرة القدم الذي لم يغلق بابه في وجه منتخب يبحث عن المجد، ويصر عليه!