العدد 6122
السبت 19 يوليو 2025
خربشة ومغزى.. "السامانيون.. وإحياء اللغة الفارسية وماضي الفُرْس"
الأحد 06 يوليو 2025

السامانيون كان لهم دور في بث روح اللغة الفارسية وماضي الفُرْس التي طالها ضعف بعد سقوط دولة ساسان عام 31هـ/651م، والسامانيون هم أحد الأُسر التي حكمت في ظل الدولة العباسية. التاريخ يُحدَّثنا أن الحكم العباسي الذي دام لما يزيد عن خمسة قرون علا صرحه ومجده القرون الأولى، ثم دبَّ ضعف في القرن الرابع هجري وما بعده حيث تحول الحكم من المركزية إلى اللامركزية.

وهذا كان أحد مؤثرات تفكَّك كيان الدولة الذي له عدة أسباب، ومنها ما أسهم فيه بعض الأعاجم (فُرْس وتُّرْك) أعتمد العباسيون عليهم في بلاط الدولة، وتولَّي أمارات، واِسِتفْراد بأقاليم أخذت مسمى دويلات سواء في بلاد المشرق، وما وراء النهر (نهر جيحون جغرافية آسيا الوسطى حاليا) وحتى ديار المغرب، حاز بعضها شبة اِسِتقلال تام عن مركز الحكم في بغداد. هذا وغيره من العوامل أدى إلى سقوط تدريجي، أعقبه أنهاء حكم العباسيين عام 656هـ بدخول المغول عاصمة الدولة بغداد عام 656هـ..

الجدير بالذكر أن بعض هذه الدويلات جذبت علماء وشعراء وتنافست في الزهو والأثر في الحياة العلمية والأدبية، منهم السامانيين الذين يُنسبوا إلى سامان خداه، ولقبُ خداه يُطلق على أمراء بخارى ودهاقنتها، وسامان هو دهقان فارسي في ولاية بلخ الأفغانية. وينحدر كما ذكر بعض المؤرخين من أحفاد بهرام بن جوبين البطل الساساني، ويصل نسبهم عند مؤرخين آخرين إلى كيومرث أول ملوك العجم. 

أعتنق الإسلام سامان على يد الوالي الأموي أسد بن عبدالله القسري عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، وسمى أبنه أسدا على أسد القسري، وأسد هذا له أربعة أبناء حظِي هؤلاء بمنزلة في عهد هارون الرشيد. فتم تعيين كلٍّ منهم على أحد أقاليم بلاد ما وراء النهر، وأشتهر من أحفاد أسد نصر بن أحمد الذي كان حاكما على جميع بلاد ما وراء النهر.  
عهد السامانيين الذي دام قرابة 128سنة منذ القرن الرابع هجري بدأ فيه اِزدهار الآداب والثقافة الفارسية، وتم وضع أُسس الأدب الفارسي الكلاسيكي، بل شهدت العلوم الفارسية مرحلة من المَجْدِ مُتخذة الحرف العربي مادة كتابتها. 

هنالك من أصحاب التوجه القومي الفارسي في القرن العشرين يرى السامانيين أنهم قوميون إيرانيون بتراثهم الأدبي والثقافي، وأحيوا اللغة الفارسية كعهد الأسلاف الساسانيين.
وعند الدراسين لتاريخ السامانيين يجد لهم تميز علاقة بالعباسيين، وكذلك احتفوا بالأدب العربي. وأن هناك غيرهم كالغزونيين أهتموا في رعاية الأدب الفارسي رغم أنهم من أصول تركيه طورانية حكموا بعد السامانيين.

هنالك وصف للشاعر والمؤرخ أبو الحسن نجم الدين السمرقندي المُلقب بالنظامي العروضي حيث يُنسب أسمه هذا لاشتهاره بعلم أوزان الشعر والعروض قال؛ أن نصر بن أحمد بن أسد بن سامان هو جوهرة العقد الساماني، وهو قد حكم ثلاثين سنة وبلغ عهده ذروة قوة ومَجُد، وبخارى عاصمته كانت مركز فنون وثقافة. 

من بين أبرز الشعراء الذين حظوا برعاية السامانيين أبو عبدالله بن جعفر الردوكي المؤسس الفعلي للشعر الفارسي الكلاسيكي، وهنالك علماء آخرين خلدتهم كُتب التراث كابن سينا والخوارزمي والبيروني والفارابي والفردوسي برزوا وعاصروا العهد الساماني، ومن الحكام السامانيين الذين اشتهروا إسماعيل الذي حلّ بعد وفاة أخيه نصر بن احمد، وأصبح حاكما لبلاد ما وراء النهر، ومدَّ فتوحاته غربا إلى الريّ وقزوين، وواجه أتراك آسيا الوسطى وصدّهم. 

إلا أن الأتراك لاحقا كسبوا معاركهم مع السامانيين، وذلك أن جيش السامانيون يضم أتراك تم استجلابهم كجنود ضمن منظومة الدولة السامانية، وهذا الأسلوب يماثل ما فعله العباسيون بضم الأتراك المماليك في تقوية جيوشهم. إلا أن هؤلاء الأتراك وقادتهم توغلوا في بلاط الحكم سواء عند العباسيين أو السامانيين وكان ذلك إيذانا ببروزهم كما حصل إلى سبكتكين الذي أصبح رئيس الجيش الساماني، وعاصر الحاكم عبد الملك بن نوح، الذي ينحدر من سلالة اسماعيل بن أحمد، والتي كانت الدولة السامانية في أضعف صورها لكثرة الاضطرابات والثورات، فزاد نفوذ سبكتكين على الوزير الساساني محمد بن عبدالله البلعمي، وهذا اِشتهر بترجمته جزءا من تاريخ الطبري إلى الفارسية.

سبكتكين وأبنه محمود تمكنا من هزيمة الثورات، وإنهاء الحكم الساماني. بعدها ذهب سبكتكين مع أبنه محمود إلى غَزْنَه في أفغانستان، وتم تأسيس الدولة الغزنوية. وبهذا انتهت الأمارة السامانية سنة 395هـ/999م بعد حكم دام 128 سنة تولاها تسعة حكام وبسقوط السامانيين أنتهى حكم العنصر الفارسي لبلاد ما وراء النهر.    

والحديث عن الأدب الفارسي فهو أزدهر في حضانة الأدب العربي وذروته وسيطرته، بل تم تطوير صياغة الأدب الفارسي من القديم إلى صنوف في المجازات والاستعارات التي ذخرت فيها اللغة العربية، وانتقلت إلى اللغة الفارسية حتى أصبح من الفُرْس من ينظُم باللَّغتَين العربية والفارسية.

ومما يُذكر كذلك أن اللغة الفارسية الفهلوية هي لغة وسطى من لُغات الفُرْس القديمة عهد الأخمينيين أول دولة فارسية حيث بلغتْ أوْجَها، وكانت لغةَ الدولة ولغة الأدب، واستبدلت بالعربية محلَّها واستأثرت بالعُلوم والآداب إلى أن نشأت الفارسية الحديثة. وهي ليست مُعْربة، وليس فيها علامات للتأنيث ولا أداة للتعريف، فهي في جُملتها أقصر ألفاظا وأقل حركات من اللغة العربية، وقد يُجمَع في كلماتها ساكنان أو ثلاثة، ويقوم المدُّ في أوزانها مقام الحركة. والجاحظ في هذا له وصف حيث قال؛ العرب تقطع الألحان الموزونة على الأشعار الموزونة، والعجم تُمَطِّط الألفاظ فتقبِض وتبسُط حتى تدخل في وزن اللحن فتضع موزونا على غير موزون.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية