تمثال الحرية رمز أميركي له حكاية، وهو الأكثر وطنية في دلالته، بدأت فكرته في وقت أقترب مع الذكرى المئوية لتوحيد الولايات المتحدة، وهذا كان بين مؤرخ وقانوني فرنسي ادوار لابولاي ونحات أسمه فريدرك أوغست بارتهولدي في حوار ضمهُما على عشاء في مطعم قرب قصر فرساي. كان لابولاي مُعجب بأميركا، وقد ألف ثلاثة كُتب عن تاريخها، وهو من أقترح تقديم هدية مميزه بمناسبة الذكرى المئوية للاستقلال. فما كان من النحات بارتهولدي إلا أن تخيل فكرتها أن تكون مجسم تمثال ضخم.
بارتهولدي عام 1871م، وهو في طريقه البحري في السفينة قادما من فرنسا وقبل أن تطأ قدماه المرفأ، وقعت عيناه على جزيرة بدلو الواقعة جنوب غرب قمة مانهاتن، فوجدها مثالية مُلهمه لتمثال ضخم، فتم اختيار المكان، عقبها اتفاق فرنسي أميركي لتولي بارتهولدي المهمة مع مهندسين وجامعو أموال، وكذلك ضم فريق العمل مهارات مشيّد السكك الحديدية الفرنسي الكساندر غوستاف ايفيل، الذي بنى فيما بعد البرج الذي حمل أسمه في باريس. تم تحديد كشف الستار لهذا مشروع التمثال بعد خمسة سنوات.
التمثال الذي سيُدعى “حرية تضئ العالم" على علو 152 قدم، ووزنه 225 طن، وردائه المتهدّل يحتوي على 300 ملاءة من القصدير المطروق باليد. فرنسا دفعت أجرة النحات بينما الشعب الأميركي موّل الباقي وقاعدة التمثال المؤلفة من الصخر والفولاذ الصلب. أما الوجه الأنثوي وفيه نُبل الطلّة فهو تخيّل بارتهولدي والدته.
مما يُذكر أن بعض المواطنين الفرنسين ساهموا بإرسال أموال نقدية وشيكات بواسطة البريد لدعم المشروع حتى أن الموسيقي الشهير بالأوبرا شارلز ألف كنثاتة - قصة ينشدها مجموعة على أنغام من غير تمثيل - للاحتفال بالمشروع.
هنالك بعض ردود أفعال من بعض الأميركيين لم يتحمسوا، بل واستغربوا لعمل مموّل بسخاء من الخارج. كان منهم الناشر والصحفي جوزيف بولتيزر كتب مقال ذكر رأيه؛ كم سيكون عار لا يمكن إلغاؤه على مدينة نيويورك، وعلى الشعب الأميركي إن قدمت فرنسا هدية ضخمة كهذه من أجل عمل يُقام على أرض ونحن لم نقدم الكثير من أجل ذلك. كما لام أصحاب الملايين الذين يصرفون ثروات من أجل بذخهم وترفهم ويتماحكون ويساومون من أجل تقديم مساهمة زهيدة طُلبت منهم لبناء قاعدة التمثال. وحصل بعد هذا وخلال شهر أن يجمع بولتيزر من خلال تلك المقالات 270,000 دولار.
في مئوية سنة 1876م لم يتم إلا أجزاء من التمثال، حيث تم عرض تمهيدي تدريجي كُشف فيه عن ذراع حامل شعلة الحرية في احتفالات فيلاديفيا المئوية، وبعد سنتين، أستمتع الفرنسيون برؤية الرأس الضخم لتمثال الحرية في معرض باريس.
عام 1884م وُضبت الأجزاء الخارجية والداخلية قطعة قطعة في مئتي قفص خشبي ضخم بلغ وزنهم نصف مليون باوند، تم نقلهم بشاحنات خاصة إلى محطة سكة الحديد، بعدها تم نقل الحمولة الذي فيه أبحر تمثال الحرية إلى أميركا على متن باخرة حربية فرنسية ايزير.
التمثال طالما تغنى به الموهوبون والزائرون، وهو ماثل بأبّهة وبراعة فن مُلهم للمتأمل، مرت علية حقب زمنية وهو يطلّ على عالم في كثير جغرافية ذاق ظلم وحرمان حرية، واِستغلال موارد واِستعباد بشر. ينتظر الوجه الأنثوي الحامل للمشعل أن تكون أرضه باعثة الأمل، عادلة في معاييرها لحفظ توازن واِستتباب سلم.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |