العدد 6093
الجمعة 20 يونيو 2025
banner
خربشة ومغزى.. "لوثريان قرون بينهما.. مقاربة وتحليل لأثرهما"
الأحد 18 مايو 2025

لوثريان قرون بينهما في مقاربة وتحليل لأثرهما، هو إطلالة عنوان فيه تاريخ شخصيتين لهما امتداد في وجدان شعوب تابعت أفكارهما. هاتان الشخصيتان هما مارتن لوثر الألماني المُتوفى عام 1546م، ومارتن لوثر كينغ الأمريكي المُتوفى عام 1968م.

مارتن لوثر الألماني؛ هو دكتور دراسات اللاهوت المسيحية يُدرس في جامعة فيتنبرج، ورمز احتجاج وإصلاح وتحدي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. سلك منهج تغيير مُتدرج بدأه سنة 1510م على إثر زيارة له في روما. شاهد الكنيسة الكاثوليكية في روما تُتاجر في صكوك الغفران، وتبيع الجنة للمؤمنين، وتعفو عن خطايا الناس. فما كان من مارتن بعدها عام 1517م إلا كتابة وثيقة، وتعليقها على باب كنيسة مدينة فيتنبرج. الوثيقة تضم 95 اعتراض على كنيسة روما بادر بإرسال نسخة منها إلى كبير أساقفة مدينة ماينس. وأبرز ما في الاحتجاج أدانته لصكوك الغفران. 

مارتن أنتشر خبره بين الناس، وعرفوه أنه لم يكتف بالاعتراض فقط، بل أحتج على سلطة البابوية، منطلقا بفكرة أن الإنسان يخضع لسلطة الكتاب المقدس دون غيره. هذا التوجه قاد إلى زرع بواكير ثورة على التقاليد الكنسية المعهودة مما اضطر البابوية إلى استدعائه وسماعه، وتاليا قرروا إدانته واتهامه بالإلحاد، بل حُرِّم على الناس مؤلفاته.

لوثر تميز بهمّة وتأليف ونشر لأعماله. منها ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية لتيسير قراءته دونما اللجوء إلى رجال الكنيسة أو الاتكال عليهم، امتد أثر هذا في الأدب الألماني.

مارتن أستمد بعض أفكاره من القديس بولس ومنها؛ أن الإنسان تلوثه الخطيئة، والعمل الطيب وحده لا يُطهره، بل الإيمان هو الذي يطهره، وإرادة الله ورحمته وحدها تجلب العفو، وصكوك الغفران وبيع الجنة هي وساطة بين الإنسان وربه منافية للدين لا مبرر لها. ومما نشره مارتن هو أن القسيس لا ينبغي أن يكون أعزب مدى الحياة، وأعطى مثلا بنفسه حيث تزوج في سنة 1525م راهبة وأنجب منها ستة أطفال، توفي لوثر في سنة 1546 أثناء زيارة للمدينة التي ولد فيها. 

خلّد التاريخ افكاره وتحولت إلى مذهب مسيحي شق طريقه إلى القلوب والديار وأصبح في نظر الكثيرين أبا إصلاحيا في أوربا، وأثره أنتشر في بقاع العالم. إلا أن هذا الانقسام الكنسي أدى إلى نشوب أحداث دينية دموية منها حرب الثلاثين عاما في ألمانيا من سنة 1618 حتى سنة 1648م. بعدها توالت صراعات استمرت وشكّلت شرخا في سياسة أوروبا لعدة قرون.

أما مارتن لوثر كينغ الأمريكي الأفريقي الأصل، فهو حاصل على دكتوراه عام 1955م في علم اللاهوت والفلسفة جامعة بوسطن، ويعتبر قائد حركة الحقوق المدنية، ومناضل سلمي للسود الأمريكيين ضد العنصرية وغمط حقوقهم المدنية والسياسية، حيث كانت حياتهم أفقر من أولئك المنحدرين من أصول أوربية وآسيوية. تعرض كينغ للسجن عدة مرات لقيادته مظاهرات واعتصامات، كان مفوها يُلهب بخطاباته الناس، ويدعوا إلى اللاعنف حتى حينما تعرض لهجوم بقنبلة وهو يخطب بمونتغمري، فمنع أنصاره الغاضبين من أي رد فعل على هذه المحاولة. شخصيته كسبت احترام وتكريم متعدد داخل امريكا، وأبرزته مجلة التايم رجل العام عام 1963م كأول رجل افريقي، وفي عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام حينها كان أصغر من حصل عليها وعمره 35 عاما. وخُتمت نهايته برصاصة قاتلة عام 1968م من أحد المتعصبين البيض. 

اللوثريان كليهما لهما بصمة تاريخية، وذكرى لا تغيب. حملا شغف مبادرة وتغيير وإصلاح، تفترق خطواتهما وتجمعها التضحية. مارتن الألماني هو ماثل التذّكر حينما تدخل كنيسة البروتستانت، ومارتن لوثر كينغ الأفريقي الأمريكي يعرفه العالم بنضاله ضد العنصرية، وكذلك احتفال سنوي داخل الولايات المتحدة يُعتبر عيدا.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .