يأخذنا “حنين المحرق” للعبور بمرحلة تراثية عنوانها “تعزيز الشعور بالانتماء”. لا أستغرب، فهذا الفيلم البحريني من إخراج علي شاهين المنتمي لأصول محرقية وعاش فترة صباه في المحرق.. كذلك أبدع عبدالجليل خميس بكتابة القصة، وتميز أحمد الصايغ بحياكة السيناريو، فنقل بحرفية نقاء الحياة في البحرين. الفكرة تدور حول رحلة مشوقة إلى الماضي الجميل، لتجربة عشق طفولية بريئة، هنا نشاهد ونعيش حكاية شاب هاجر مع والده المُدَرِس للعمل في إحدى الدولة الخليجية في منتصف السبعينيات تاركًا مكان طفولته الذي نشأ فيه، ثم عاد لزيارة أهله في البحرين بعد غياب سنين مع تغير واضح في لهجته وكيانه.
أتقن الفنانون مبارك خميس، ولطيفة مجرن، وحمد عتيق، تجسيد شخصيات الرواية بتلقائية وعفوية.. أدى الفنانون أدوارهم بإتقان، وبدت المحرّق بإرثها التاريخي والمعماري كمصدر إلهامٍ نابع في الأزقة الضيقة على سواحل الحد والبسيتين. كذلك تألقت الشاعرتان هنادي الهاجري وزهرة رحيمي، في بيوت المحرق العتيقة، كدليل حي على الزمن العريق. ثم جاءت الشاعرة شموخ البحرين (زهرة رحيمي)، لترسم بمهارة واضحة صورا جميلة عن أيام مضت، بمزيج الفكر الشعبي والمواقف الإنسانية لعادات وتقاليد أهالي المحرق الثرية. تعابير رحيمي تقول بوضوح “أنا ما أسكن محرق.. ترى اهيه اللي تسكني”. كذلك أجادت مساعد المخرج مريم الدوسري، الإشراف على التفاصيل الاجتماعية، وهي تحاكي أمسيات البخور والعود. أما عفوية حصة السطيحي، فتجلت في تقديمها دور أمٍ صابرة على ما يصدمها من صعوبات في الحياة، لكنها تلتزم بالظروف المتوارثة، وتتعايش مع عبق الماضي، وزمن أهالي الفريج الطيبين. هنا تتجلى عباءة الرأس، ونقوش الحناء، وفزعة وإغاثة الجيران لبعضهم. هنا نشاهد الحناية تحاور العروس، ورائحة البحر تملأ الكون بنكهة محرقية لم تتغير على مدى الأزمان. التهاني القلبية لجميع المشاركين في فيلم “حنين المحرق” لتقديمهم صورة واقعية ومتقنة عن عادات الأحياء الجميلة، والحفاظ على نسيج التراث البديع. لعل الفكرة تخلق تأثيراً إيجابياً داخل المجتمع، وتحصد الدعم من جميع الجهات المعنية وفاء وإخلاصاً ومحبة لهذه الأرض، كي لا تزول أو تندثر “الفرجان” و”البرايح” وراء التاريخ.
* كاتب سعودي ورئيس الجمعية العربية لإدارة الموارد البشرية