العدد 5633
الأحد 17 مارس 2024
banner
المجالس الرمضانية في البحرين بين الماضي والحاضر
الأحد 17 مارس 2024

عُرِفت مملكة البحرين منذ القدم بمجالسها الرمضانية المنتشرة في مدن البحرين وقراها، وهي ظاهرة استمرت حتى يومنا هذا مع ما لحقها من تطور كبير في العصر الحالي.

فقد احتلت المجالس الرمضانية في الماضي مكانة كبيرة في نفوس أبناء البحرين؛ باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتجمع والالتقاء حينذاك. وكانت أبواب المجالس آنذاك مفتوحة للجميع يرتادها الأهالي الذين كانوا يتنقلون من مجلس إلى مجلس آخر، وهي ظاهرة اجتماعية تبرز قيم المواطن البحريني.

عرفت تلك المجالس بالبساطة الشديدة من حيث نوعية البناء والسعة والأثاث التقليدي البسيط جدا. وتؤثر حالة الطقس على حضور تلك المجالس الرمضانية. فإذا صادف حلول شهر رمضان في فصل الشتاء حيث تشتد البرودة وتهطل الأمطار الغزيرة المتواصلة ليلا ونهارا في العقود الماضية حتى نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين، يتوقف الأهالي عن زيارة المجالس الرمضانية، ويعود ذلك لصعوبة تحركهم في تلك الظروف، بخاصة أن معظم الشوارع وطرق الأحياء غير معبدة، الأمر الذي يؤدي إلى تجمع مياه الأمطار في الشوارع والطرقات وتتحول تربة تلك الشوارع والطرقات إلى كتل من الوحل، فيحد ذلك من قيام الأهالي بزيارة المجالس الرمضانية في تلك الظروف المناخية الصعبة، غير أن الأهالي الذين يملكون سيارات، وبصورة خاصة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وهم قلة قليلة مكنتهم تلك الوسيلة إلى وصول المجالس الرمضانية أثناء تلك الظروف المناخية القاسية.

كان أصحاب المجالس حتى منتصف القرن العشرين يتعاقدون مع حفظة القرآن الكريم ليقوموا بتلاوة القرآن في ليالي الشهر المبارك. وكان الصمت يسود تلك المجالس أثناء تلاوة القرآن الكريم، وبمجرد الانتهاء من التلاوة، يبدأ مرتادو المجالس أحاديثهم التي تتعلق بشؤون حياتهم وطبيعة أعمالهم كالذين يعملون في المزارع أو البحر أو في شركة نفط البحرين (بابكو)، إضافة إلى الباعة في أسواق المنامة والمحرق.

تضاء المجالس الرمضانية في الماضي بالفوانيس (الفنر) في جميع مدن البحرين وقراها، بما في ذلك العاصمة المنامة قبل تزويدها بالكهرباء في عام 1930م. وتعوّد أبناء المجتمع البحريني خلال ليالي شهر رمضان استخدام فانوس عرفه الجميع حينذاك باسم (بوجلي)، وهذا النوع من الفوانيس يعمل بالكيروسين، ويصدر منه ضوء قوي يشبه ضوء (الفلوروسنت) حاليًا الأمر الذي كان يثير بهجة في النفوس حينذاك. واستمر استخدام هذا الفانوس إلى عقد الخمسينيات من القرن العشرين في المناطق التي لم يتم تزويدها بالتيار الكهربائي وهي مناطق قليلة.

شهدت المجالس الرمضانية اعتبارا من عقد الثمانينيات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا تغيرات جذرية، وأصبحت المجالس الرمضانية اليوم تختلف اختلافًا كبيرًا عن مجالس الأمس، باعتبارها مجالس مهيأة من كل النواحي، وتتماشى وفق معطيات العصر من حيث سعتها وتصميمها وتأثيثها وحتى اختيار موقعها.

تمتاز مجالس اليوم بما يدور فيها من نقاش يتناول عدة قضايا، والتي منها القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والتعليمية، على عكس ما كان يجري في المجالس السابقة. وبهذا أصبحت المجالس الرمضانية اليوم وسيلة مهمة من وسائل التواصل الاجتماعي، كما أصبحت منارات للفكر ومنابر لتثقيف الذات.

من بين أبرز التطورات المهمة التي طالت مجالس اليوم قيام صحافتنا المحلية بتغطية ما يدور في المجالس الرمضانية من أحاديث ونقاشات وحوارات تهم المواطن، كما أن التغطية الإعلامية من قبل الصحف المحلية حول زيارات قيادتنا الحكيمة للمجالس الرمضانية، كان لها الأثر الكبير على تردد أبناء المجتمع البحريني بمختلف فئاته لزيارة تلك المجالس بانتظام. وتصدر بعض المجالس الرمضانية في يومنا هذا كتيبات ومطبوعات ونشرات خاصة بها.

وحري بالذكر أن صحافتنا المحلية تلعب اليوم دورًا كبيرًا في التشجيع على زيارة المجالس الرمضانية بشكل يستحق الثناء والتقدير، هادفة من وراء ذلك المحافظة على قيمنا وتراثنا وتقاليدنا أثناء الشهر الفضيل، من خلال نشر قائمة بالمجالس الرمضانية التي تستقبل زوارها مع تبيان اليوم المخصص من الأسبوع، الأمر الذي ساهم مساهمة قوية في الإقبال الشديد على تلك المجالس في الشهر الفضيل.

- كاتب ومؤرخ بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية