العدد 5595
الخميس 08 فبراير 2024
banner
البرتقالة
الخميس 08 فبراير 2024

أخذ برتقالة إلى غرفته، ووضعها أمامه على المنضدة، احتار كيف يأكلها.. هل يأكلها من باب المعجزة الإلهية في هذه الثمرة؟ هل يتأمل تلك الرسالة الصغيرة التي تقول يمكن للضدين أن يجتمعا فيخلبا القلوب: طعم الملح، وطعم السكر؟ في كل فص ينتصر أحدهما على الآخر، وعلى مدى ثمانية فصوص على الأقل يختبر الواحد ثماني تجارب للائتلاف لا تشبه واحدة الأخرى، هل يمكنك أن تروي شهوتين في وقت واحد، الجوع والعطش؟ الفص يمكن أن يصبح لقمة تسند المعدة، وما الفص إلا قطرات ماء متراصة بإحكام، يمكنك أن تخلص في العبادة فتصبح روحك صلبة، وحتى لا تنقلب الصلابة جفافًا يبل الله ريقك بنعم الدنيا التي حرضك عليها في رسالاته لتنعم بحياتك.
هل يأكلها من باب الطفولة؟ يعرف أنه كبر، لأنه لم يعد يصادف في كيس البرتقال الذي أحضره والده ثمرة "البرتقال أبو دمه"، حيث كان الفص يبدو من الخارج وكأنه قد أصيب بجلطة، كان دم البرتقال سكريًّا جدًّا، وعندما كبر عرف أن طعم الدم في كل الكائنات يميل لهذا المذاق، يتذكر أن المازني الأديب الكبير المعروف كان أول من أدخل زراعة هذا النوع من البرتقال في مزرعته بمديرية الشرقية، هو لم يقرأ حرفًا للمازني، لكنه يعرف أنه كبر لأن نزلات البرد - صغيرًا - كانت تعني أكبر طبق برتقال ممكن فوق البطانية ليشفى سريعًا، الآن ولا خمسة كيلوجرامات ستشفيه بعد أن دخل مرحلة احتياج الجسد لفيتامين "سي" صريح عبر كبسولة تحمل رقمًا مخيفًا (500). يعرف أنه كبر، لأنه لم يعد يعيش مع والدته التي تطالب الأسرة بالحفاظ على القشر لـ "تبشره" صانعة منه كيكة البرتقال، أو التي تطالبهم بـ "محدش يقرب من البرتقال"، لأنه في طريقه لأن يصبح مربى تزينها حبات القرنفل اللاذعة التي ستزعجه كثيرًا في الفسحة المدرسية وهو يتناول الساندويتش، كبر لأنه أصبح يعتمد على نفسه في تقشير الثمرة والخروج بها سليمة تمامًا مهما كانت القشرة لزجة، ومهما كانت الثمرة ضعيفة، وهي المهارة التي اكتسبها من كثرة الدخول والخروج من عربات المترو.
هل يأكلها من باب الفائدة الصحية؟ يقول علامة عصره وحكيم زمانه السيد "جوجل" في بحث عشوائي بدون علامات اقتباس: البرتقال عظيم الفائدة للمرضعات. وهو لم يختبر هذه المسألة طبعًا، لكنه تذكر رسمًا تشريحيًّا لثدي الأم، وتذكر أن غدة الرضاعة تشبه بالضبط ثمرة برتقال شفافة صغيرة. قال له "جوجل": البرتقال به 28 عنصرًا غذائيًّا، أهمها: الحديد، والفوسفور، والكالسيوم، وفيتامين "ب"، وفيتامين "سي"، ويصفي الدم، ويطرد البلغم، ومنظف للكلية والمثانة، ويعالج الإمساك، ويقوي الأعصاب والقلب، ويطرد الغازات والآثار السامة للأدوية، وصندوق برتقال في البيت أفضل من صيدلية صغيرة. أما نفسيًّا فهو منوم ومهدئ، وملطف للمزاج، وفاتح للشهية، ويعتبره الصينيون رمز السعادة، ويقول الفرس عن شجرة البرتقال إنها شجرة الفردوس.

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية