+A
A-

محمد البنكي.. صاحب رسالة "ثقافة الإنسان"

 

في صبيحة يوم ما من العام 2006، كتب الراحل محمد البنكي، الذي كان يشغل حينها منصب رئيس تحرير صحيفة (الوطن) البحرينية، مقالًا موسعًا ومؤلمًا أفردت له الصحيفة صفحة كاملة، تحت عنوان "يوميات المرض والأمل المشع" والذي أعلن فيه عن إصابته بمرض السرطان.

عبر حدقتين وكلمات

وكان المقال – شديد الدقة والوصف السردي والنفسي - بوابة حقيقية، نظر من خلالها القارئ عبر حدقتي محمد البنكي إلى الحياة وإلى المستقبل القصير، وأهمية البقاء مع الأسرة قدر الإمكان وقضاء الوقت معهم ولأجلهم، وهي كلمات ظلت في ذاكرة القارئ حتى رحيل البنكي، رحمه الله، بعد صراع مرير مع المرض، في 28 أبريل 2010، في عمر لم يتجاوز سبعة وأربعين عامًا، وكان يشغل حينها منصب وكيل وزارة الثقافة والإعلام.

بدأ البنكي حياته العملية بعد تخرجه من كلية الآداب بجامعة البحرين محررًا في صحيفة (الأيام) عام 1990، وعرف عنه الفصاحة اللغوية والذكاء الاجتماعي الحاد، لينتقل بعدها إلى جامعة البحرين كمدير لدائرة العلاقات العامة والإعلام، حيث بدأ معها مشواره في تحرير مجلة العلوم الإنسانية بكلية الآداب حتى العام 1999.

مع الظاعن في مكتبة المحرق

عمل الراحل على إصدار مجموعة فريدة من الدوريات الأدبية والنقدية، منها "عبدالله الغذامي والممارسة النقدية" العام 2003، و "الرواية والتاريخ" عام 2005، و "الرواية والمدينة" عام 2007، وبالمناسبة، فقد كان الراحل شغوفًا بالاطلاع والقراءة منذ صغره، وفي طفولته، كان يحرص على اقتناء مختلف الإصدارات، وكان المرحوم إبراهيم الظاعن صاحب مكتبة المحرق، رحمه الله، يوفر له ما يرغب فيه من الكتب والمؤلفات والإصدارات.

مع الأسماء "الرنانة"

بعدها انتقل البنكي الى رئاسة تحرير صحيفة (الوطن)، والذي ترك فيها أثرا مهما في المجتمع البحريني، خصوصا بإصدار الملاحق الثقافية والفنية والأدبية المتنوعة، والتحقيقات و (الريبورتاجات)، ولقد عمل بالصحيفة الكثير من الشباب، تتقدمهم أسماء إعلامية وثقافية رنانة مثل: علي الشرقاوي، عقيل سوار، سوسن الشاعر، خالد البسام وآخرون.

ويصنف المرحوم البنكي بأنه من جيل النقاد الشباب الذين ظهروا في أواخر التسعينيات، والمنتمين لتيار ما بعد الحداثة، وكان ممن اشتغلوا بصبر على مشاريعهم الثقافية المتميزة، على رأسها مشروعه المهم الذي نال عليه درجة الماجستير في قسم اللغة العربية بدرجة امتياز (دريدا عربيًا.. قراءة التفكيك في الفكر العربي النقدي) في العام 2001.

"أوان" و "تاء الشباب"

في العام 2002، اصبح البنكي عضوًا بهيئة التدريس في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة البحرين، وفي العام نفسه، رأس تحرير مجلة (أوان) حتى العام 2005 لينتقل بعدها لرئاسة تحرير صحيفة (الوطن)، وفي العام 2009 انتقل إلى مهمة جديدة، كمستشار لوزيرة الثقافة والإعلام، وفي نفس العام، صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلا للوزارة، حيث شهدت تلك الفترة مشاريع ثقافية مميزة في البحرين، من بينها "تاء الشباب" العام 2009 والذي أسهم فيه البنكي بتكريس دور الشباب في صياغة مستقبل البحرين الثقافي، وظل، رحمه الله، مستمرا في توصيل رسالته الثقافية والإنسانية حتى تغلب عليه المرض في رحلة متوهجة بالأمل المشع.