العدد 5575
الجمعة 19 يناير 2024
banner
حنين الشيء لنفسه
الجمعة 19 يناير 2024


دخل على شيخه ثم جلس إلى جواره بعد السلام صامتا.. كانت ملامح وجهه تضج بكلام كثير غير مريح، عرف الشيخ سبب عدم الراحة عندما لاحظ أنه يحرك خاتم الزواج في اصبعه صعودا وهبوطا. لم يسأله (مالك؟)، علمه شيخه درس الصبر من قبل، قال له: يشكو الواحد كثيرا ويختتم شكواه بأن يقول (بس الحمد لله آدينا صابرين)، قال له هذا سوء أدب مع الله، هذا ليس صبرا، الصبر يا ولدي أن تكتم الشكوى.
هو يكتم الشكوى بالفعل بعد أن تعلم من الدرس السابق ولمس الفرق بنفسه، كتم الشكوى يجعلك تصادق المحنة، ويجعل للصبر فعلا مذاقا طيبا في الروح، بعد سنوات كان الصبر مجرد شعار يخرج لا إراديا حدوده طرف اللسان ولا يغير شيئا أبدا، الآن صار الصبر مفتاح الفرج الذي لا يتخيله أحد. 
فهم الشيخ ما يدور في باله من شكوى معلقة، فقال له (الرجال قوامون على النساء)، هل فكرت يوما في المعنى الحقيقي للجملة؟
قال له الجملة واضحة وتعطي الرجال درجة أعلى.
قال الشيخ: أما الدرجة الأعلى فهي موجودة ولكن ليس هذا هو المعنى المباشر، للرجل درجة على المرأة، بأنه خلقه بيديه، ثم خلق منه المرأة، فالرجل بالأصالة والمرأة بالتبعية، هذا التتابع في الخلق هو سر حركة الكون، فعندما ظهرت المرأة بصورة تشبه صورته حن إليها حنين الشيء لنفسه، وحنت إليه حنين الشيء إلى وطنه.
هز رأسه مستمتعا بهذه النفحة، لكن بقي السؤال بدون إجابة (الرجال قوامون على النساء).
قال شيخه: (قوامون) من اسم الله (القيوم) أي القائم على خدمة البشر والوفاء باحتياجاتهم، هذا حق العالمين على (رب العالمين)، منحك الله شرف أن تكون قواما على النساء، لا بمعنى أنك أفضل منهن، ولكن هذا يعني أنك القائم على خدمتها، الحقيقة أنك ربما تكون (السيد) لكنك لست سيدا مجانا، أنت السيد من باب خادم القوم سيدهم، لكن الأصل أنك (الراعي) المسؤول عن رعيتك، شديد التحمل لهم ودائم الصبر عليهم، الممسك بيدهم لتعبر بهم الطريق، أنت خادم لزوجتك يا ولدي.. فهمت؟
نظر إلى وجه شيخه وهو مقتنع بكلامه لكنه لم يعرف كيف يترجمه إلى أفعال، فسأله (يعنى اعمل ايه؟).
ابتسم الشيخ له قائلا: الصبر.

كاتب مصري
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .