العدد 5568
الجمعة 12 يناير 2024
banner
حكايات (1)
الجمعة 12 يناير 2024


-ثمة كراهية مقيمة بينه وبين شقيقه بدأت عند توزيع الميراث، اتفقا على كل شيء إلا حصانا كان الأب يجوب به شوارع البلد عصرا، لم يكن هناك مجال لاقتسامه، وكانت هناك فرصة متاحة لأن يحتفظا به سويا، إلا أن الأخ الأكبر أصر على أن يستأثر به، فهو مغرم بخيلاء الفارس، الحصان أيضا كان يرتاح للأخ الأكبر ويمتعض كثيرا إذا ما اقترب منه شخص آخر، فكانت الجفوة. كل يوم كان يمتطي حصانه ويمر على شقيقه دون أن يتبادلا تحية، إلى أن مرض فلزم الأصغر فراش شقيقه يستحلفه بالله ألا يموت، كان الأصغر يرى في الجفوة رحما موصولا بالحضور أيا كانت هيئته، صارح شقيقه المريض بأن وجوده كاف أما الخصام فهو دليل على أن هناك شيئا ما يجمعهما، تبادلا الأحضان وكان الصغير صادقا حتى أنه مات في حضن شقيقه الأكبر. أقسم الأكبر من يومها ألا يركب أي حصان حتى يموت.
-تقف أمام الساعة في محاولة لفهم الوقت. تعودت أن يشير أباها باتجاه ساعة يده قائلا: هيا لقد تأخرنا. كل معرفة عن التأخير أنه سبب للإسراع باتجاه باب ما، باب البيت أو باب السيارة أو باب المطعم. لكن أين يكمن التأخير في ساعة الأب الموجودة على منضدة إلى جوار الفراش؟ كانت شديدة التعلق بأبيها، وعندما قال لها إنه سيسافر عدة أيام، شعرت الطفلة بامتعاض ما، وطلبت منه ألا يأخذ ساعة يده معه.
-كان الضابط المسؤول عن العملية يوجه السؤال للضحية بشكل روتيني عما إذا كان له طلب أخير، لم يحدث أن طلب أحد شيئا من قبل، هو يفهم ذلك، الشخص الذي يعرف أنه سيموت بعد ثوان مات بالفعل، ربما قطع عدة كيلومترات على الطريق لكن جسده مازال موجودا بحاجة لمن يرسله خلفه. هذه المرة طلب صاحب البدلة الحمراء سيجارة. كان يتابعه وهو يدخنها بينما الحبل حول رقبته مرتخيا، تذكر أنه كان يطلب سيجارة دائما في اللحظات المهمة، لم يكن مدخنا بطبعه لكنها كانت تزيل بعضا من توتره وتمنحه قليلا من التركيز. تأمل صاحب البدلة الحمراء ثم فكر أنها المرة الأولى التي يرى فيها شخصا يأخذ الموت بجدية.
كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية