العدد 5561
الجمعة 05 يناير 2024
banner
سُكر
الجمعة 05 يناير 2024

"تعالى سلم على سيدك".. قالها الأب فاقترب الطفل من جده العائد لتوه من المستشفى.. دخل العم وعلى جلبابه آثار التراب قائلا "كله تمام"، يعرف الطفل أنهم بتروا قدم الجد في المستشفى، وأن العم ذهب إلى مدفن العائلة ليدفن القدم المبتورة. قال الأب مشيرا ناحية الطفل: "كان عايز يروح معاهم المدفن وحوشناه بالعافية".
سأله الجد عن السبب، فقال الطفل: "علشان اقرأ الفاتحة لرجلك".
ضحك الجد حتى دمعت عيناه، ثم قال له حفيده: "أمي دايما تقول جدك رجل جوه ورجل بره أنا النهاردة فهمت". حكى لأمه ما حدث فلطمت على وجهها، سألها لماذا بتروا قدم جده؟، فقالت له: السكر.
كل رجال وشباب العائلة مصابون بهذا المرض، يعرف أنه سيزوره يوما هكذا أفهمته أمه، وهي تقنعه بالإقلال من شراء الحلوى "عمال على بطال".
نام واستيقظ على صوت الجد عاليا يصيح في الجميع "ما حدش له دعوة"، صعد درجات السلم حتى غرفة جده، ففهم أن الجد طلب منهم أن يحضروا له رغيفا شمسيا وبعض العجوة المحمرة في السمن البلدي، حاولوا أن يثنوه عن رغبته لكنهم فشلوا بجدارة، أحضروا له ما يريد فجلس يأكل بشهية واسعة، لمح حفيده يجلس في أحد أركان الغرفة فـ "شاور له" ليجلس إلى جواره على السرير، جلس الطفل فصنع الجد لقمة كبيرة مليئة بالعجوة الساخنة وقدمها للطفل وهو يهمس له فى أذنه "كل.. كل كويس قبل ما يقطعوا لك رجلك"، غمز الجد بعينه للطفل فابتسم، "بتقول له ايه يا حاج؟".. سأل الابن فقال الجد: "ما حدش له دعوة، سيدك بيقولك ايه؟ سأل العم فقال الطفل: "ده سر".
احتضن الطفل سر جده وفرح به عندما وجده يتوافق مع ما توصل إليه بمفرده من قرارات.
في صباح اليوم التالي استيقظ على الصراخ قادما من غرفة جده العلوية. كان النعش يخرج من باب الدار والرجال يشيرون للنساء بغضب لمنع الصراخ، فغطى الصمت لثوان المشهد، في تلك اللحظة كان الطفل يصعد السلم باتجاه غرفة الجد. وهو يغني بصوت عال "الله عليك يا سيدى".
لسنوات طويلة ظل الأب يحكي هذه الواقعة للجميع، ثم يتوقف في منتصف الحكاية ليقسم، "عليا الطلاق سمعت أبويا بيضحك جوه النعش"، يكذبونه فيغلظ القسم كان أبي يضحك طول الطريق حتى توقفنا بالنعش أمام المدفن.

كاتب مصري
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .