تتجلى الحكمة الربانية في خلق الكائن البشري بأنْ جعَلته يمرُ بمراحل متعددة تتفاوت فيها قدراته وتتشكل عليها إمكاناته، وتُسيره على أطوار تتنوع بها خصائصه وتتشكل ميزاته، ويُسخر له مَنْ يَكلؤه ويَعتني به ويحُوطه برعايته ويُغدق عليه من حنانه حتى يشبَ وليداً مُعتمَداً على نفسه ومُستغنياً عن غيره وشاقاً طريقه ومُؤمِناً عيشه بعد أنْ أُدِيَ له من أمه وأبيه واجبهما. فيما سُنُون العمر تَزدلف مسرعة وأشهرها تمضي عجالة، فيعلو الشيبُ مفارقهما ويدبُ الضَعف بدنيهما؛ فيُصبحان في حال من العوز إلى مَنْ حَولِهِمَا من بنين وبنات برعايةٍ تفيض بعطر الحنان تارة، وعناية تغص بعبق العطف تارة أخرى. هذه الرعاية بنواحيها المعيشية والمنزلية والصحية والثقافية، تؤكد على المتطلبات الشخصية والاجتماعية لأفراد هذه الفئة التي كانت فيما مضى تفيض بخبرتها وحكمتها ووجاهتها ومالها، وتحتاج في حاضرها - بعدما أوهنها الضعف - إلى عون أفراد ومؤسسات المجتمع لمساعدتها في أداء أنشطتها اليومية والعناية بصحتها النفسية والجسدية وتوفير احتياجاتها الخاصة ومتطلباتها المُميزة من جانب. ومن جانب آخر، الرحمة لضعفهم واحترام “شيباتهم” وتقدير مكانتهم ورفع منزلتهم وتفريج كرباتهم؛ انطلاقاً من قاعدة البر بالوالدين التي يسطع نورها “جوهرةً” على مَنْ يُحافظ عليها كي يكثر في رزقه وتحفه الطمأنينة وتعمه الراحة وينعم برضا الجبار ويفوز بجنته.
نافلة:
كان لمملكة البحرين قَصَبَ السَبق في رعاية كبار السن من الجنسين، لاسيما بعد تشكُل اللجنة الوطنية للمُسنين عام 1984م، والتي ضمت بين أعضائها مُمثلين عن القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة، وكان مسعاها توفير كل أوجه الرعاية اللازمة لهذه الفئة الكريمة من المجتمع وسط أجواء عالية من الخصوصية بعد أنْ أولتهم الجهة المعنية – وزارة التنمية الاجتماعية – الاهتمام الكبير عبر فروعها المنتشرة التي بلغت حوالي (19) مركزاً وداراً ونادياً في محافظات المملكة الأربع. 
 

وعرضها مختلف الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية والمعيشية والترفيهية. وعلى غرار ذلك، كان لجمعٍ من أهالي المنطقة في “باربار” والقرى المُجاورة القريبة التابعة للمحافظة الشمالية، رغبتهم الأكيدة في تحقيق ما تأملوه قبل أكثر من عقد من الزمان (سنة 2013م) في إنشاء مركز خاص بهم لرعاية الوالدين أسوة ببقية المناطق الأخرى التي تنعم بأكثر من مركز - على حد قولهم – بعد صدور القرار رقم “9” آنذاك والقاضي بإنشاء مكاتب خدمات المُسنين التي تقدم برامجها الاجتماعية وتنفذ استشاراتها الأسرية تحت سقف واحد.

كاتب وأكاديمي بحريني