لم يأت الذكاء الاصطناعي بالجديد فيما يتعلق بالتوقعات المرتقبة لمواجهات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، حيث تنبأ بعبور كل من ريال مدريد الإسباني وباريس سان جيرمان الفرنسي إلى المباراة النهائية متجاوزين بايرن ميونيخ ودورتموند الألمانيين، وبعدما أفرزت مواجهتا الذهاب يوم الثلاثاء الماضي تعادل الريال بهدفين لمثلهما أمام العملاق البافاري في ألمانيا وفوز مواطنه بهدف نظيف على فريق عاصمة العطور باريس، تبقى الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها!
ولست أعلم، ماذا سيحدث هذا الأسبوع عندما تلتقي الفرق الأربعة في مواجهتي الإياب لحسم الجدل، مع انتعاش نسبي لريال مدريد كونه انتزع نقطة ثمينة من معقل الفريق البافاري الذي ساندته جماهير شرسة سيفتقدها عندما يحل ضيفا على عملاق أسبانيا في معقله سانتياجو برنابيو يوم الأربعاء المقبل، فيما سيواجه دورتموند وجها آخر لبطل فرنسا الذي سيقاتل حتى الرمق الأخير عن حلمه القديم، وذلك يوم الثلاثاء المقبل.
وشخصيا، في مثل هذه المواجهات المحيرة، لا أنتظر الإجابة من الذكاء الاصطناعي أو من المحللين على القنوات الفضائية وإنما أعود إلى التاريخ، وأرشيف المسابقة وبناء على المعطيات التاريخية والنتائج الأخيرة، ترتسم أمامي ملامح النتيجة، وفي الكثير من الأحيان تأتي النتائج متوافقة تماما مع التوقعات التي استحضرتها من الأرشيف، فالتاريخ يعيد تكرار نفسه، ولكن ليس بطريقة “الفوتوكوبي”، وإنما بتشابه العوامل والظروف، والتي تؤدي بدورها إلى تكرار النتيجة المدونة مسبقا في صفحات التاريخ.
لذلك، يمكنني الجزم أن بايرن ميونيخ هو حتما تحت الضغط عندما يواجه ريال مدريد العريق والفريق التاريخي الأكثر تتويجا بدوري أبطال أوروبا وصاحب الرقم القياسي الفريد من نوعه، وبطريقة أو بأخرى من المرجح أن يتأثر سلبا بهذا الضغط حتى وإن كان في أفضل حالاته، فهو يدرك تماما أنه يواجه الفريق “الأكثر اقتناصا لفرص الفوز”، وهذه ميزة استثنائية يتمتع بها الريال في دوري أبطال أوروبا ما يجعله المرشح الأبرز على الإطلاق للفوز بغض النظر عن الأسماء المتواجدة في صفوفه أو في صفوف منافسيه.
وهذا ما يعززه ريال مدريد في المواجهات الحاسمة أمام الفرق الكبيرة وأبرزها على الإطلاق النتيجة المثيرة في الدور ربع النهائي أمام مانشستر سيتي حيث انتزع تعادلا ثمينا بثلاثة أهداف لثلاثة خارج ملعبه، قبل أن يعود إلى مدريد ويتعادل بهدف لمثله ليتأهل بهذه النتيجة للدور نصف النهائي، وبعدها يطير إلى ألمانيا ليعود بالتعادل بهدفين لهدفين أمام بايرن ميونيخ ويكفيه الآن عندما يلتقي منافسه في مدريد التعادل السلبي أو الايجابي بهدف لهدف لينتقل إلى المرحلة النهائية من عمر المسابقة الأكبر على مستوى الأندية.
ولأن الريال يلعب على جزئيات بسيطة ليست في حسابات الآخرين، فهو يسعى فقط لكسب البطولة وزيارة غلة ألقابه، وهذا ما تأكد عندما كشر عن أنيابه وجرد الفريق الانجليزي مانشستر سيتي من لقبه الأول والوحيد، في طريق بحثه عن اللقب رقم 15 الذي لا يبدو مستحيلا أو صعب المنال على كتيبة الخبير الايطالي باولو انشلوتي.
هل سيفوز الريال بدوري أبطال أوروبا؟
في الواقع لا يبدو السؤال منطقيا على الإطلاق عندما لا نأخذ بعين الاعتبار أن العقبة التي تواجه ريال مدريد في طريقه للقب لا تنحصر في بايرن ميونيخ فحسب، وإنما في منافس متوقع له الصعود وهو باريس سان جيرمان، إذا ما افترضنا أنه تجاوز دورتموند الألماني، وغير ذلك لن يكون هناك داع للتنبؤ بما يمكن للفريق الفرنسي أن يفعله أمام بطل الأبطال!
إلا أن الغريب في زحمة كل هذه التوقعات، يبدو من المبكر الحديث عن فرضية معينة والتسليم بها بشكل مطلق، إذ كل واحدة منهم بعيدة المنال قبل نهاية هذا الأسبوع، فهو الموعد الذي سيحدد ما إذا كان التاريخ سيعيد تكرار نفسه لصالح الريال أم أن بايرن ميونيخ سينجح في صياغة سردية غير تقليدية لنهائي دوري أبطال أوروبا ويقصي “النادي الملكي من عرش الشامبيونزليغ”، وحينها فقط سنبحث عن فرضية أخرى، وهي: “أن لا يكون الريال هو البطل!!”.