العدد 5519
الجمعة 24 نوفمبر 2023
banner
الأستاذة سناء البيسي
الجمعة 24 نوفمبر 2023

كل مقابلاتي مع سناء البيسي خلال سنوات عملي تحت قيادتها في مجلة نصف الدنيا كانت نسخة من المقابلة الأولى، سؤال واحد: "عندك إيه؟"، يعقبه سؤال: "هتعملها إزاي؟ طيب اشتغل ووريني"، لم أدرس الصحافة، لكنني تعلَّمتها وتخرجت من مدرسة سناء البيسي، كان إيقاعها أسرع مني، ورغم فارق السنوات الكبير لصالحها إلا أنني كنت ألهث خلفها لأفي بما يجب أن أقدمه. كانت ماهرة في تكسير سقف الأفكار، وتكسير سقف طموحك فيما تفكر أن تُقدِّمه، الفكرة التي تعتقد أن آخرها صفحتين تكسرها أمامك لترى كيف أنها فكرة ملف صحافي كبير، الصورة يجب أن تكون بطلًا فيما تقدمه، لا تخف من المصادر هم بحاجة إليك أكثر من حاجتك إليهم، عبر عن نفسك، وانسَ قسوة رخام مؤسسة "الأهرام" وصقيع تكييفها. كثيرًا ما كنت أصحو من النوم على تلفونها تخبرني بفكرة خطرت على بالها أو حدث طارئ يحتاج لعمل انتحاري يجب أن يبدأ في هذه اللحظة. تقسو عليك إن شعرت أنك تدخر جهدًا. تقصيك بقسوة حتى تفيق. كانت تؤدب مهنيًّا كما يليق بامرأة تنتمي لبرج الأسد استهلكت في حب المهنة قلبين. 
لم تكن تنحاز إلا للموهبة، تجامل أحيانًا، لكن ليس على حساب ما تُقدِّمه المجلة، تغلق عليك باب مكتبها لتسلخك دون أن تفقد ابتسامتها. لا تعرف ما الذي يجب أن تفعله في لحظات "التقطيم المهني" التي "تزنقك" فيها، هل تضحك، أم تضع وجهك في الأرض و"تضحك لجوه"؟ تعاقب بالعمل، وتكافئ بالعمل، أن يتم حرمانك من النشر لفترة كان هذا أقسى ما يمكن للواحد أن يواجهه في هذه الفترة، أو أن تسألك "بتحلم تعمل إيه؟"، فتعينك على تحقيق الحلم. أريد أن أُهرِّب الأسئلة لأحد المساجين المهمين ثم أنشر إجاباته في حوار، "يلَّا"، أحلم أن أكتشف بلدًا مجهولًا مثل إيران، طيِّب جهز نفسك للسفر.. لكن أن تختفي وتتراجع عن العمل فستكون هناك مفاجآت عظيمة في انتظارك، عدت في مرَّة بعد غياب بموضوع صحافي، طلبته وطلبتني شخصيًّا ثم كتبت لي عليه: "هذا موضوع هزيل لا يليق بالنشر في مجلة نصف الدنيا". ثم طلبت مني أن أحتفظ بهذا الموضوع وتعليقها عليه في مكان يسمح لي أن أراه في "الروحة والجاية"، وضعته أسفل زجاج مكتبي، وبعدها عدت بسلسلة تحقيقات كانت تمنح كل حلقة فيها أكبر عدد ممكن من صفحات المجلة. كل يوم في حضرة هذه السيدة هو يوم دراسي في مدرسة المهنة وأصولها وأخلاقها، في لحظات النجابة أفخر أنني كنت تلميذًا فيها، وفي لحظات الخيابة المهنية أقول لنفسي: "أكيد كنت غايب في اليوم ده".

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية