العدد 5556
الأحد 31 ديسمبر 2023
banner
عام ميلادي جديد!
الأحد 31 ديسمبر 2023

يهل علينا يوم غد الاثنين عام ميلادي جديد، بعد أن نودع في ليلتنا هذه عامًا آخر مليئًا بالآلام والآمال، بالأحزان وبالمنجزات، الأحزان والآلام؛ على ما يحدث في العالم والمنطقة من ضياع لفرص السلام، من هدر للنماء والبقاء ونشر الوعي على مختلف أرجاء المعمورة.
لم يتمكن أهلنا في غزة من أن ينعموا بالحياة، ولا بالصحة، ولا بالأمن والأمان، الأطفال ماتوا بالآلاف، وتشردوا بمئات الآلاف، المسنون والنساء والرجال وكل دابة على أرض غزة الحبيبة.
كان حزننا كبيرًا، ونحن نودع العام 2023، وحلمنا الضائع كابوسًا مفزعًا بعد أن توسمنا خيرًا في مستقبل سعيد للأراضي العربية المحتلة، بعد أن مددنا أيدينا للسلام، ولم يحترم الأعداء ما كنا حريصين عليه حتى طوفان الأقصى وما بعد الطوفان بثمانين يومًا، والبقية تأتي، الآمال ما زالت حية بأن تنتهي حرب غزة وتعود مياه الاستقرار الإقليمي إلى مجاريها. 
نحن ندرك أن مملكة البحرين فعلت كل ما في وسعها لشعبها، ولبلادها، من أجل أن تنعم البلاد بالأمن والأمان والسلام، ربما لم تختلف الحال كثيرًا في منطقتنا الخليجية الصاعدة، فالجميع كانوا على قلب رجل واحد يركزون على النماء ويمنعون الحرب، ويدعون إلى التسامح وينبذون الكراهية والصراع مع الآخر، ويزرعون الفسائل لتطرح حياة وازدهارًا، في حين يدعو أعداء الحياة للموت والدمار والهلاك لشعبنا في فلسطين المحتلة.
مملكة البحرين لم تدخر جهدًا في سبيل تهدئة الأوضاع، من أجل أن تنعم المنطقة بأسرها بحياة أفضل، وتنعم أجيالها الطالعة بمستقبل أفضل، لكن شئنا أم أبينا، لا شيء يخلق من العدم، والنتائج تخفي في طياتها مقدمات كنا غافلين عنها، إشارات كانت واضحة للعيان، لكننا نسينا في زحمة التحديات التعاطي مع البدايات، فأصبحنا هكذا متراجعين ربما في كل شيء.
مشكلتنا في مختلف التحديات التي تواجهنا أننا نحل مشكلاتنا ونغطي حاجاتنا الضرورية عن طريق الاعتماد على الغير، ليس في المواد الغذائية والسلع الاستراتيجية، والمواد الخام اللازمة للتصنيع فحسب، إنما أيضًا في التكنولوجيا وأمهات العلوم، في التقنية الفارقة، والذكاء الاصطناعي، ومراكز البحوث، لقد تفوق الغرب علينا ليس لأن في أيديهم صواريخ عابرة للقارات، ولا طائرات مسيرة أسرع من الصوت وربما من الضوء، لكن لأننا ما زلنا نستورد كل شيء، لأن العلم الذي أنتج تلك الطائرات وأجيال الصواريخ المتعاقبة ليس موجودًا لدينا، خلف كل أسلحة فتاكة علوم وبحوث علماء وفرق عمل تعمل على مدار الساعة، ولا تعتمد إلا على أنفسها؛ من هنا فإننا ندخل العام 2024 وأمامنا تركة ثقيلة من الأعباء والإخفاقات والفشل العربي الذريع في مواجهة أبسط التحديات وأقلها شراسة علينا. 
المطلوب أن نواجه أنفسنا بعيوبنا، وأن نعترف قبل المواجهة بأننا نعاني من العيب “الفلاني” ونتعثر أمام المعضلة “الفلانية”، المطلوب أن تكون المواجهة واضحة ومحددة وصارمة، وأن تصبح إرادتنا وعزيمتنا قوية وقادرة وصادقة في التمسك بالبحث العلمي والإنفاق عليه، ووضعه في مقدمة أولويات خطط واستراتيجيات التنمية، بل أن يكون البحث العلمي هو حجر الزاوية في التنمية المستدامة، وأن يكون أكاديميونا على قدر المسؤولية وعلى قدم المساواة مع الأكاديميين والعلماء والباحثين الغربيين الذين توافرت لهم مختلف السبل والأساليب والأموال؛ لكي يضعوا بلادهم في مقدمة الدول التي تصنع الحضارة وتصدرها، لا أن تستهلك الحضارة وتستوردها.
جامعاتنا، خاصة أو عامة، لابد لها مثلاً أن تتشارك مع الحكومات في إنشاء مراكز بحثية متطورة، تتخصص في علاج قضايانا ومشكلاتنا المجتمعية والاقتصادية والثقافية أيضًا، أن تكون لدينا معامل متطورة توفر للباحث كل مفردات وتقنيات البحث ارتباطًا بحاجات الواقع المحيط، وليس انصياعًا خلف حاجات مجتمعات أخرى، وبلدان أخرى ربما تكون قد سبقتنا في نفس الاتجاه، أن يكون لدينا أولويات تنموية لا تنحصر فقط في سد الفجوة بين الصادرات والواردات، إنما في ردم الهوة العميقة في التفكير وآلياته بيننا وبين الدول التي سبقتنا في التعليم والتعلم وتصنيع التكنولوجيا وتوطينها.
العام 2024 يأتي وأمامنا العديد من الملفات والعديد من الأوراق المبعثرة، والتي آن الأوان للبت فيها، وحسمها قبل فوات الأوان، وكل عام ميلادي جديد ونحن وأمتنا بخير وسلام وتقدم وازدهار.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية