العدد 5553
الخميس 28 ديسمبر 2023
banner
ليسوا سواء
الخميس 28 ديسمبر 2023

نشر إعلامي غربي رسماً كاريكاتيرياً لما يسمى بـ “الحيادية”، وليسمح لي من لم ير الكاريكاتير هذا أن أشرح له مكوناته. يُظهر الرسم شارعاً، وقفت على طرفيه أسرتان من أب وأم وأطفال، أسرة فلسطينية تقف وهي حزينة وبائسة وكتب وراءها “غزة”، وعلى الطرف الآخر كتب “تل أبيب” وتقف هناك أسرة إسرائيلية حزينة وبائسة، ووراء الأسرتين على الجانبين مبان مهدّمة يتصاعد منها الدخان، الأسرة الفلسطينية تحمل لافتة تقول: “لسنا حماس”، والأسرة الإسرائيلية تحمل لافتة مشابهة تقول: “لسنا نتنياهو”.
يلتمس الكاريكاتير من القارئ أن يساوي بين الناس في الجانبين، والذين هم أبرياء، لا يرضون عن أفعال هؤلاء ولا هؤلاء، وهي رسالة مناسبة لمن يودون أن ينتهوا إلى القول “حسناً، لنتوقف هنا ونعود إلى سابق عيشنا”، كما سبق وأن تمّ غضّ الطرف عن احتلال الأراضي في 1948، وكأنه حقّ ليس للنقاش، إنما الحديث عن ما بعد 4 يونيو 1967! الرسام لم ينصف الواقع من الدّك البربري الذي تمارسه القوات الغاشمة على غزة ليستحيل القطاع غير قابل للسكن، بل للعيش، في مقابل بضعة مبانٍ تهدم أجزاء منها بالصواريخ التي أفلتت من “القبة الحديدية”، والتي – مهما قيل عنها – لن تضارع ضراوة وأضرار الصواريخ الممهورة بـ Made in USA. لم ينصف الرّسام الأسرة الفلسطينية المتجذّرة بالأرض لمئات السنين وربما آلافها، لا يرضون بها بديلا، بأسرة مستوطنة، آتية من كل الآفاق، حاملة معها جنسية مزدوجة، حتى إذا ما ضاقت سبل العيش في هذا “الوطن الاحتياط” رجعوا من حيث أتوا. وأنهم بسكناهم في فلسطين إنما يسكنون أرضاً محتلة، وأنهم - طيّبون كانوا أم أشراراً - ليسوا إلا غاصبين لحقوق غيرهم مهما تمّ طلاء هذه الفعلة بأنهم يسار الإسرائيليين، أو نشطاء السلام... فهل لو استوطن أربعة ملايين ناشط سلام إسرائيلي أرض فلسطين سيكون ذلك مقبولاً؟! 
كان الأجدر بالرسام أن يرسم على الجانب الفلسطيني أشباحاً بدلاً من أسرة كاملة، فهناك أسر أبيدت من أكبرها إلى أصغرها، وأكثرها فقدت عدداً من أفرادها، ناهيك عن من فقدوا أطرافهم.. لا يستوي الجانبان، ولن يستويا.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية