العدد 5539
الخميس 14 ديسمبر 2023
banner
لسنا بحاجة إلى ندمكم المتأخر
الخميس 14 ديسمبر 2023

غالباً ما نرى المسؤولين الغربيين المعنيين بالملفات الخارجية، ومنها ملفات الشرق الأوسط، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، في الاجتماعات الدولية، أو عند التصويت على قرار مهم في مجلس الأمن أو في اجتماعات الأمم المتحدة، أو عندما يحاصرهم نشطاء في أماكن عامة ويمطرونهم بالتساؤلات عن مواقفهم إزاء قضايا مختلفة، خصوصاً الإنسانية منها، ويرددون “عار عليك”، نرى وجوههم متخشبة جامدة، كالتماثيل، لا تهتز لهم أجفان، ولا تتغير ملامحهم المرسومة، ولا يردون على أحد. وكثيراً ما رأينا رؤساء وكبار المسؤولين أنفسهم بعد أن يغادروا المناصب بسنوات طويلة، يكتبون، أو يتحدثون بما يشبه الندم والاعتذار عن مواقف دولتهم تجاه الحقوق الإنسانية، والملفات التي تسببت مواقفهم منها في مقتل ما لا يعدّ من البشر، وأنهم “الآن” يرون أن وجهة النظر التي اتخذوها تنفيذاً لإرادة إدارة بلادهم كانت خاطئة، ولو كان بالإمكان لتم تغيير هذا الأمر كله.
الآن وبعد ما جرت مياه كثيرة تحت الجسور التي مكّنتم أعداء الإنسانية للعبور عليها، ما عاد مهم أن تعترفوا أو تندموا، وليس مهماً أن تندموا فما أعاد الندم حقوقاً، ولا أحيا ميتاً. ولن تسامح الشعوب ولو حاولت، ولن تنسى ولو أجبرت ما فعلتم بها، فكمية الإجرام المعاصر الذي يتزيّا بأزياء بالغة الأناقة، وبوجوه مجرمين ليست كالتالي سوّقوها لنا، مليئة بآثار العراك وضرب الخناجر، لكنها وجوه تنضح بالصحة والعافية، ومجرمون يسيرون بخيلاء وثقة وابتسامة عريضة، ليست كضحكات المجرمين في الأفلام الكلاسيكية، وعندما ينتهي دورهم، وينجزوا المهمة التي جيء بهم إلى المنصب لإنجازها عوضاً عن محركيهم ومموليهم، نراهم بعد سنين، وهم كالمناديل الورقية المستعملة بعدما مسحت أقذر المواقف وأحقرها، وقد أتانا يعتذر. والعجب كل العجب، من بعض أبناء جلدتنا حين ينتشون بسماع هذه الاعترافات المتأخرة جداً، والتي تأتي من أناس لم تعد لهم سلطة القرار، ولا يؤثرون في اتخاذه لدى من هم بعدهم، فعلام الشعور بالنصر لاعتراف مسؤول سابق لا وزن له الآن ولا ثقل في صنع القرار الذي سيأتي بعد عقد من الزمان من يعتذر عنه و “يكتشف”.. ويا له من اكتشاف.. أنه كان حينذاك مخطئاً!
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .