نشر مواطن أميركي اعتيادي مقطعا يتحدث فيه عن رفضه واشمئزازه مما يحدث للفلسطينيين في غزة، بل وفي عموم فلسطين والأراضي العربية المحتلة، وقال إنه مشمئز من إدارته الأميركية التي لم تتوقف عن إطعام الوحش حتى عاد لا يعرف إلا القتل والقتل والقتل.. طالبها – كما مئات الآلاف من أشباهه من الأميركيين، وربما الملايين – بوقف إطعام الوحش؛ لأن شهيته تستمر في الازدياد، ونهمه للقتل يستمر في التعاظم، ولن يتوقف!
لكن من ذا الذي أوجد الوحش قبل أن يتخلّق؟ من الذي مكّنه من أن يتنفس ويعطس عطسته الأولى التي رشّ بجراثيمها وجه التاريخ فوسّخه؟ من لم يئده في ساعاته الأولى حتى لا تلعنه الدنيا ويلعنه اللاعنون؟ هذا الوحش لم يكبر من ذاته، إنما تغذى على كره من أوجدوه وأرسلوه بعيداً عنهم حتى لا يعيش بينهم. تغذى على خيانات عربية مذ كان من السهل جداً الإجهاز عليه في حالته الخديج تلك، لكن “ماكو أوامر” لدى عبيد لا يستلذون إلا بتلقي الأوامر حتى بالذب عن حرماتهم وأعراضهم. رضع هذا “الوُحيش” من دكتاتورياتنا التي سادت كبريات الدول المركزية فأخرست الأنفاس والألسن والعقول، بل الضمائر أحياناً، وعلقت القوى الفاعلة في تلك المجتمعات المسؤولية في رقاب الحكام، عملاً بالقول الشعبي: “علقها في رقبة “حاكم” واطلع منها سالم”.
الوحش الذي لا يشبع، لا يكتفي، ولا يرتوي، إذ اطمأنّ إلى المخاوف على الأعراض الزائلة والكراسي المتقلقلة، والمصالح المؤمَّلة، كما يؤمّل الظمآن أن يشرب من السراب في عرض الصحراء، حقّ له أن يعربد، وأن يبلغ العالم – بدون مواربة ولا دبلوماسية خصيّة – أنه سيواصل القتل، والتدمير، والتهجير، رُغماً عن العالم وأممه المتحدة على التواطؤ معه، الخانعة لما يريده، الصامتة صمت القبور وهي ترى المقابر الجماعية أكثر بلاغة منها إذ تحفر لتضم أشلاء العشرات من الفلسطينيين معاً. أميركا ليست وحدها من يغذي الوحش.. فإن كانت تقدم له الوجبة الرئيسية.. فإن كرامة المجتمع الدولي وقيمه – التي بان عوارها وفسادها – هي طبق التحلية له.
*كاتب بحريني