العدد 5518
الخميس 23 نوفمبر 2023
banner
هل أنت مستعد لدفع الثمن؟!
الخميس 23 نوفمبر 2023

قال لي صاحبي بمنتهى الحماس والوجع، إنه كان من الواجب على حماس أن تحسب حساب هذا اليوم الذي سيدكَّ فيه الجمهور الفلسطيني، الغزي أو الغزاوي، قبل أن يقبلوا على فعل ما فعلوه.. هل هم الآن مستريحون وهم يرون كل هذا الدمار والخراب الذي حاق بأهلهم، والموت المجاني الذي يتوزع في كل مكان، والغارات التي لا تتوقف والقصف الذي لا يهدأ، وتهجير الناس من أرضهم، ومناظر الأطفال - على وجه الخصوص - وهم يخرجون جثثاً من تحت الركام.
كنت أنظر إليه وهو يتحدث بمنتهى الصدق والحماسة، وتقاسيم وجهه تشي بصفاء نواياه، وتذكرت على الفور أنني كنت مثله قبل سنوات، حينما كانت المقاومة الفلسطينية “تخربش” فيأتيها ردٌّ صاعق من آلة الحرب والدمار الإسرائيلية بما كنت أظنه شأنا لا توازن فيه بين الفعل وردّ الفعل، في المقابل نحن في بلداننا، آمنون في أسرابنا، معافون في أجسادنا، لدينا قوت يومنا وغدنا على الأقل، نجد ماء نظيفاً، ودواء لحين المرض، وإذا أردنا التحرك لا توقفنا سياراتنا ولا أرجلنا، وإذا أردنا السفر اتجهنا جوّاً أو برّاً أو بحراً بأقل الإجراءات وأيسرها، متى ما أردنا البناء، أو اقتناء أي من الأجهزة، أو الدراسة وتدريس الأبناء، وما أسهل التسوّق لشراء ملابس الشتاء والصيف، وملابس الإجازة، والخفيفة أو الثقيلة، وملابس المناسبات، كل هذا، وأكثر من ذلك لو شئت الاستمرار، محرومون منه أهالي غزة، فأوضاعهم، بشهادة المنظمات الأممية من سيئ إلى أسوأ، ويومهم أسفل من أمسهم، ولا شيء يقول إن غدهم سيكون أفضل، والتعبير المتفق عليه هو أن أهالي غزة في سجن كبير مفتوح.
التجارب مع الاحتلال منذ النكبة إلى اليوم كلها تقول إن بقاء الفلسطيني هادئاً، ساكناً، مؤدّباً، مطيعاً، مطبقاً للقانون، “كيوتاً”، لن يجنّبه العسف، بل سيغري الاحتلال بالمزيد من الاحتلال، والمزيد من التآمر عليه - داخلياً وعالمياً - لقضم أراضيه الواحدة بعد الأخرى، ومضايقته، والهجوم عليه، وليس مستبعداً قتله من قبل المستوطنين المسلحين، فيضيع دمه في مسرحيات تحقيق هزيلة وهزلية. الفرق الوحيد الظاهر بين الموقفين هو أن يموت المرء مرة واحدة بعزته وكرامته، أو يذوق هواناً أشدّ من الموت يومياً!.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .