العدد 5505
الجمعة 10 نوفمبر 2023
banner
علينا منح الفعالية لقوانين المنافسة (2/1)
الجمعة 10 نوفمبر 2023

دول الخليج أصدرت قوانين خاصة بهدف تفعيل المنافسة الشريفة في التجارة ومنع الاحتكار بكل أشكاله، وإصدار قوانين المنافسة في حد ذاته يعتبر تطورا ملحوظا في المنطقة من أجل دفع التجارة الحرة وتهيئة المناخ الصحيح لانتعاش التجارة والاستثمارات الأجنبية وتنميتها في شتى المجالات.

وهذا الوضع بدوره سيفتح شهية التجار المحليين والأجانب للعمل تحت غطاء المنافسة القانونية، ولكل مجتهد نصيب.

ولكننا نلاحظ وجود بعض الأمور التي لا بد من أخذها في الحسبان حتى يتحقق المراد من المنافسة الشريفة وتزدهر التجارة الحرة في ظل هذه المنافسة التنافسية، وبعيدا عن تلك الممارسات الضارة التي أشارت لها قوانين المنافسة وحظرتها بل وسنت سيف العقوبات على مرتكبيها، مع العلم أن العقوبات تكون في بعض الحالات كبيرة جدا بحيث تتجاوز الغرامات الملايين، إضافة إلى العقوبات الجزائية.

والممارسات التي تؤثر على المنافسة الشريفة كثيرة ، ولكن من الملاحظ أن بعض الشركات تبدع في التأثير على المنافسة عبر إخفاء السلع والخدمات أو وضع قيود عليها أو نقل معلومات غير حقيقية عن الشركات الأخرى المنافسة أو إيقاف التعامل معهم دون مبرر أو إيقاف الإنتاج للتأثير على الطلب أو تخفيض الأسعار بأقل من التكلفة لإغراق السوق والإضرار بالمنافسين.. وهكذا، يصبح اللعب "خشن" وغير نظيف في ملعب التجارة. وأحيانا ، يكون اللعب مخالفا تماما للقانون لأن بعض الشركات من أجل الحصول على العمل تقوم بتقديم الرشاوى والأتاوات وغيرها من الممارسات الفاسدة غير الشريفة. 

من الناحية المبدئية وتحقيقا لأسس العدالة الطبيعية، لا بد من أن يتم فرض وتطبيق قوانين المنافسة على جميع من يعمل في التجارة، أي نوع من أنواع التجارة، ومن هذا يجب المساواة بين الجميع وإلا يعتبر القانون عديم الفائدة وربما لن يتمكن من تحقيق الهدف المنشود. ومن أهم الحالات التي نرى فيها عدم المساواة في تطبيق قانون المنافسة ما يتم حيال شركات "القطاع العام" أي الشركات الحكومية التي تم تأسيسها خصيصا لتعمل في التجارة وبالوسائل التجارية.

هذه الشركات في واقع الأمر لا يطبق عليها قانون المنافسة كما يطبق على شركات القطاع الخاص، وهنا مربط الفرس لأن شركات القطاع العام الحكومية تعمل كما تشاء ووفق ما تشاء وأينما تشاء، ومن هذه المعاملة التفضيلية تنتهي العدالة لأن بعض الشركات لديها تمييز وحماية بل وحصانة تامة في وجه القانون. وهذا الوضع الخاص يكسر مبدأ المنافسة الشريفة ويهدمه لأن النظام المتبع يعطي الشركات الحكومية حرية العمل بدون حدود أو فواصل، وليعمل منافسها ما يشاء من أجل البقاء على قيد الحياة أو ليترك المجال إذا ليس في مقدوره مواجهة الشركات ذات "الحصانة الرسمية".

والأمثلة كثيرة أمامنا ولا تحتاج للحصر، ولذا نرى الكثير من شركات القطاع الحكومي تتحدث عن الأرباح وعن الانجازات والسيطرة الكاملة على السوق وغير هذا من الادعاءات الترويجية اليومية. ولكل هذا نجد الشركات الحكومية في ساحة الميدان دون منافس لأن المنافسة الشريفة غير متوفرة وتظل بعض أحكام قوانين المنافسة محجوبة بل غير قابلة للتطبيق. وإذا كان هذا هو الوضع التمييزي، فلماذا في الأساس تم إصدار قوانين المنافسة وتم إنشاء مجالس لإدارتها ومفتشين لمتابعة تنفيذها ومحاكم لمعاقبة مخالفيها... وهلم جرا.

إن العدالة تقتضي المساواة في تطبيق القانون وتحقيق العدالة في التطبيق، وكل هذا مطلوب من أجل أن تكون قوانين المنافسة فاعلة ومفيدة لحماية التجارة والتجار. تحقيق المساواة لا بد منه بين كل الشركات ومهما كان ملاكها سواء من القطاع العام أو الخاص. وليتم تطبيق القانون على الجميع، وبهذا يتم توفير المنافسة الشريفة للجميع وفي ظلها فليتنافس المتنافسون.

ولذا لا بد من مراجعة "الحصانة" الممنوحة لشركات القطاع الحكومي وإلزامها بممارسة أعمالها التجارية وفق الأسس الموضوعة لتحقيق المنافسة الشريفة وهذا بدوره سيحقق منع احتكار الشركات الحكومية للتجارة و يفتح الباب أمام كل المجتهدين والمبدعين من التجار في القطاع الخاص، وهم كثر ويمتهنون التجارة "الحقيقية" لكسب العيش الشريف لهم ولأسرهم وأطفالهم ، وهم على استعداد للمنافسة بشرط أن تكون شريفة ووفق أصول اللعب و يشرف عليها "حكم" يعرف أسرار وأحكام اللعبة.. وعلينا جعل الاهتمام بالقطاع الخاص من أولويات الحكومة وفتح أبواب التجارة الشريفة لهم وفق أسس المنافسة السليمة.. وسيبدعون في هذا..

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية