العدد 5504
الخميس 09 نوفمبر 2023
banner
الشباب لن يكلّ
الخميس 09 نوفمبر 2023

راهنت رئيسة وزراء “إسرائيل” غولدا مائير - في الفترة من 1969 – 1974 - رهاناً معقولاً بالنسبة لدولتها، قائلة “الكبار سيموتون، والصغار سينسون”، وهكذا ستجري تصفية القضية الفلسطينية ولن يعود يسأل عنها أحد، أو يطالب بها أصحاب الحقوق. وهذا الرهان كان ممكن الحدوث لولا شهوة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إرضاء المتطرفين لديهم، فكانوا في كل فترة يجددون الذكريات لدى صغار الفلسطينيين الذين لم ينسوا أبداً، بل لم تترك لهم فرصة للنسيان. ففي الوقت الذي بسطت فيه الولايات المتحدة سلطتها وسطوتها، وادّعى منظّروها “نهاية التاريخ”، وأنها القطب الأوحد، على الرغم من محاولات التقافز لبعض القوى التي صعب عليها أن تنطفئ فجأة، وتخرج من المعادلة، أي منذ سقوط جدار برلين وما بعده، ومنذ انطلق مصطلح العولمة؛ أصاب العالم اليأس من اللحاق بالتسونامي الأميركي المتعالي، بذوقه، بطريقته في الحياة، بأطعمته ومشروباته، بتقاليده ومواسمه، بالهالوين، وعيد الشكر والديك الرومي، بالكريسماس والاحتفالات الصاخبة، بالأفلام والأعمال الدرامية التلفزيونية، بالأغنيات والتقليعات، ببرامج الواقع، بالملابس التي تثبت عليها الشعارات الأميركية، ورموز الجيش الأميركي، والعلم الأميركي.. فكان - بعد هذا كله - الظن بأن “الرواية” الأميركية هي أيضاً ستكون الصوت الأوحد للشعوب جميعاً بعدما أتمّت سيطرتها الآنفة.
ما فعله العدوان الإسرائيلي على غزة هو الاختبار الأهم الذي أثبت أن أبناءنا، أطفالاً وشبابا - بعدما ظننا أنهم تفرنجوا، وتأمركوا، وتعولموا، وتميّعوا، وتقوقعوا، وبعد ما قلنا إن فلسطين لا تعني لهم شيئاً كما خفّ بريقها لدى طائفة واسعة من آبائهم - هم في مقدمة المتابعين لما يجري هناك، لم تنطلِ عليهم السرديات العربية ولا الإمبريالية، وراحوا يشكلون وعيهم الخاص، يبادرون، ويقفون في أوائل الصفوف، يقرأون أكثر، ويتعلمون تاريخ القضية أكثر، ويشاركون في الحوارات الدائرة باللغة التي تعولموا عليها، فيقدمون مرافعات رائعة، ويبنون وعياً صلباً لا يقوم على تناقل الروايات، بل على ما يرونه من أحداث بشعة شنيعة. سنظل نشكر غزة وبطلاتها وأبطالها الذين أعادوا – بدمائهم - القضية المركزية إلى مركزيتها وواجهتها، والذين بثّوا – بأرواحهم - روح تغليب قوة الحق على حق القوة، كما قال الإمام الشافعي: 
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْر... وإن كانت تُغصّصُني بِرِيقِي
وما شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن... عرفتُ بها عدوّي من صديقي.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .