العدد 5497
الخميس 02 نوفمبر 2023
banner
الحيوانات ونحن
الخميس 02 نوفمبر 2023

ألم يكن وعينا في السابق بحقيقة الكيان الإسرائيلي أعلى من اليوم؟ أعتقد ذلك، إذ لم نكن قبل ثلاثين عاماً ربما نقول وزير الدفاع الإسرائيلي، ولكن كنا نقول: “وزير الحرب”، فهناك فارق بين المعنيين.

وإذا كنا قد استأنا من وزير “الدفاع” الخاص بهم يوآف غالانت لأنه وصف حركة المقاومة الفلسطينية بأنهم “حيوانات بشرية”، والحمد لله أنه أبقى لهم صفة البشرية على الأقل؛ فلا أدري لماذا غضبنا من هذا الوصف أساساً؟


فلطالما كررنا القول: إن الإنسان “حيوان” ناطق، كأحد تعريفاته، وأحياناً نقول: حيوان اجتماعي، أو حيوان له تاريخ، وتأدباً يستبدل البعض كلمة “حيوان” بـ “كائن”. لكننا دأبنا على تسمية الشجاع أسداً، والجبان فأراً أو جربوعاً، ونربط وفاء البشر بوفاء الكلاب، وعن ذاك الذي يقبل أن يساق حيث يشاء الآخرون، أي الإمّعة، نقول: خروفاً، ونسمي القويّ الفتّاك ذئباً، وإن أردنا تصغير شخص وتحقيره قلنا: ما هو إلا “جرو” صغير، وإذا بالغ أحدهم في العناد أشير إليه بأنه عنيد كالتيس، وقيل أيضاً كالبغل، أما الماكرون في الأرض فالثعلب أولى بهم، والغدار نشبهه بالعقرب، أما النبل فهو للحصان، ولا يفخر أحد كفخر الطاووس بنفسه، وننسب الذكاء واللؤم معاً إلى الغراب، فيما لا توصف القطة إلا بالنذالة لأنها تعض اليد التي تطعمها، شأنها في ذلك شأن فصيلتها من السّنّوريّات، وإذا أتينا على الخير والعطاء، فلا نذكر إلا البقرة التي لها عطاء لا ينضب ومتعدد الأوجه، وفي عالم الحشرات، لا يأتي ذكر النملة إلا وأتى وصفها بالتنظيم والإصرار، وكذلك النحلة التي لا تهدأ ولا تسكن ولا ترتاح وهي تطوف بالأزهار، وتبني الخلايا، وتصنع في بطونها العسل، وفي باب النهم نتذكر الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس، ولا أدري لماذا يصف الخليجيون البليد الذهن بسمك “القين”، وتنسب الشراسة للجرجور، أو سمك القرش، وقيل إن اسمه آت من أنه يقرش العظام.


كل البشر لهم صفات مشتركة مع الحيوانات، سواء كانت هذه الصفات علمية، أم مجرد ظنون وأساطير نسجناها لنتسلى بها عبر القرون، سواء كانت تميل إلى الجوانب الحسنة أو السيئة، كلنا لنا ما يشبهنا، ومن يشبهنا، إلا الأمهات والآباء الفلسطينيون، فلا أحد يشبههم، ولا يشبهون أحداً.


*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .