العدد 5678
الأربعاء 01 مايو 2024
banner
نحتضن الفوضى ونعيش في وحدة موحشة
الأربعاء 01 مايو 2024

عندما تعيد قراءة أعمال الفيلسوف الفرنسي الثائر “ألبير كامو” ستجد أنك في بحور متلاحقة وخيوط متشابكة في تموجها، ورغم أنني تعرفت عليه في المرحلة الثانوية من خلال رواياته العبثية “الغريب” و”أسطورة سيزيف”، إلا أنني لا أزال أستمتع برواياته وأجد فيها مادة دسمة متألقة وكأنني أقرأها أول مرة، وهذا بسبب أنك مع ألبير كامو تصل إلى أعماق الحياة الداخلية، فينير مكنون القلب والضمير، وتطيل التأمل في ترهات وفقاقيع الحياة.
فكامو يرى أن الشعور بعبث الوجود غالباً ما يهبط على المرء بغتة، ومن حيث لا يدري. فهذا رجل - كعامة الرجال يستيقظ كل صباح في تمام الساعة السادسة ويتناول طعام الإفطار في منتصف الساعة السابعة، وبعدها ينصرف إلى عمله فيستغرق فيه خمس ساعات يعقبها طعام الغداء، ثم يستريح ساعة يعود بعدها فيستأنف عمله ويمضي فيه ساعتين أو ثلاثا، ويعيد الكرة في اليوم التالي فيصنع بنفسه ما صنع في اليوم السابق ولا يختلف يومه الثالث عن يومه الثاني، وهكذا تمر الأيام يتلو بعضها بعضا وهو يكرر هذه العملية أسبوعا بعد أسبوع بل عاما إثر عام.
وقد يكون الرجل مغتبطا بحاله أو غير مغتبط، لكنه مستسلم على كل حال لمصيره، مذعن لدورة الزمن، لا يشك في أنه يقوم بما ينبغي أن يقوم به.. وإذ بيوم يأتي فيطرأ عليه طارئ بغتة، قد يحدث ذلك وهو يشعل سيجارة أو يجرى عملية حسابية أو يعبر شارعا، وإذ بعجلة الزمن تتوقف عن سيرها المعهود وإذ بساق الرجل لا تنساق إلى حيث اعتادت أن تذهب. إنه نوع من الملل والسأم والنفور يستولي على كيان الفرد فيشل هذه الآلة عن دورانها المنظم.
كل إنسان منا في نظر كامو يحتضن الفوضى ويعيش في وحدة موحشة، والحياة مجرد ألوان من الحماقة ومع ذلك نقاوم بسبل ملتوية.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .