“وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”، هكذا يوجهنا الله جل وعلا ليذكرنا بأننا مهما بلغنا السماء طولاً والأرض عرضًا، ومهما ذهبنا إلى نهاية العالم لنكتشف حقائق الكون، فإن كل ما يمكن أن نعثر عليه لا يعادل ثانية ضوئية مما نحتسب، أو غفلة عين في مشاهد شديدة الارتباك.
ليست نصائح أو إفتاء بغير عِلم، وليست قرائح تتقد غضبًا عندما تنتشي، أو ورعًا عندما تؤمن، أو تنعزل حين تفقد الروح الأمل في عودتها إلى الجسد، لكنه العِلم الذي يقول إنه عندما تصل سرعة الإنسان أو ما يستقله من مركبات إلى سرعة الضوء؛ فإن الزمن حتمًا سيتوقف، وإذا ازدادت السرعة لتتجاوز سرعة الضوء؛ فإن هذا الزمن سوف يعود حتمًا إلى الوراء. نظرية لا تخطئها عين، وعِلم غير مشكوك في صحته، وحقائق غير قابلة للتأويل، هي الماضي الذي يمكن أن يعود، والمستقبل غير المؤهل للمرور من بوتقة الزمن، والإنسان المحمول على مكانه وأيامه فلا يستطيع الفكاك من قدره. “قمة البحرين” انتهت مثلما كنا نأمل، نجاح باهر لمملكة البحرين وهي تنظم الحدث لأول مرة، والتفاف شعبي حول جلالة الملك المعظم مفاده أننا كلنا معك، وأننا جميعًا عند حسن الظن، فبيت العروبة سيظل بيتًا مفتوحًا لكل عربي، ومبادرات القائد أمام القمة كان لها أبعد الأثر في التكوين النهائي والمملكة تقود الدورة الحالية للأمة بكل كفاءة واقتدار. الملك المعظم وولي عهده الأمين وكل المنظومة الدبلوماسية والإعلامية في المملكة كانت على قلب رجل واحد، كان الجميع يتطلع إلى تضامن عربي حول الملفات المصيرية التي تواجه الأمة، وقد تحقق للجميع ما أراد، والتطلعات ذهبت إلى موقف موحد تجاه ما يحدث في غزة. وبالفعل كان الموقف العربي واضحًا ومشددًا بأن يخرج الكيان الإسرائيلي بعدته وعتاده وجيوشه من القطاع المدمر.
وكان رجل الشارع العربي يطمح في وقف فوري لإطلاق النار وإلى هدنة دائمة يعقبها كل ما يتعلق باليوم التالي “إدارة القطاع، إعادة الإعمار”، مفاوضات الحل النهائي، و.. “حل الدولتين”.
وجاءت مبادرات جلالة الملك سباقة متجاوزة كل ذلك بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تستضيفه المملكة لوضع حد نهائي، وخطوط تماس أخيرة للصراع العربي الإسرائيلي حتى يعم التعايش والتسامح كل أرجاء المنطقة، وبالفعل تم التوافق بالإجماع على مبادرة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه.
وكان الشارع العربي يرى بأن تقدم الأمم في علومها، في تحولها من الاستهلاك إلى الإنتاج، من الاستيراد إلى التصدير، ومن النماء المتقطع إلى النماء المستدام، وبالفعل جاءت مبادرات مليكنا المعظم تحمل توصيات لتعاون عربي في مجال العلوم المتقدمة وتحقيق النماء المستدام وفقًا لمبادرات الأمم المتحدة في هذا الخصوص، بالإضافة إلى تأسيس تكامل تقني يحقق أكبر استفادة ممكنة من الذكاء الاصطناعي وعلوم التكنولوجيا الفارقة حتى نستطيع منافسة كل من تسول له نفسه استعراض عضلاته التكنولوجية علينا، ومهاراته التقدمية في ساحات معارك التنمية وحتى في الحروب الدائرة الآن على الأراضي العربية.
“نقوي أنفسنا” حتى يحترمنا العالم، شعار يلحق بملفات السنوات الضوئية التي كانت تفصلنا عن قمة البحرين، فأصبحت قمة البحرين على أهبة الاستعداد للوصول بسرعتها غير المعتادة إلى أزمنة ضوئية تضعنا في موقعنا الطبيعي بين الأمم، وهو ما ليس على بلادنا بكثير.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية