العدد 5484
الجمعة 20 أكتوبر 2023
banner
في العيد الصغير
الجمعة 20 أكتوبر 2023

ما إن وضع جسده داخل الأسانسير حتى أغلق الأسانسير أبوابه بشكل أتوماتيكي. استدار ليجد نفسه في مواجهة نفسه في المرآة، كانت إضاءة المصعد مستنسخة من إضاءة أفلام السايكودراما، حيث يُكثر البطل دائمًا من جلد ذاته. تأمل وجهه في المرآة، كان الإرهاق باديًا على كل ملامح وجهه، لكنه في منطقة ما كان الإرهاق يزيد وجهه جاذبية، الأمر الذي جعله يبتسم لنفسه ابتسامة غامضة، تحوي قدرًا من الاحترام للشخص القابع في المرآة. دق جرس الأسانسير يعلن وصوله إلى الطابق العاشر، تزايدت ضربات قلبه وهو يغلق خلفه باب الشقة مستقبلا كل هذا الظلام الدامس.

- لأول مرَّة منذ سنوات طويلة يقرر أن يفتح فمه أثناء وقوفه أسفل الدُّش، ابتلع القليل، وأبقى في فمه رشفة ليتذوقها، صدمته مرارة الكلور، تزايدت ضربات قلبه وهو يجفف جسده العاري أمام مرآة الحمام مكتشفًا استحالة أن يعود طفلًا مرَّة أخرى.

- أشعل سيجارته من "البوتاجاز"، ووضع براد الشاي، اقترب من علبة بها كعك العيد، حاول أن يفتحها برفق وهدوء لكن اللفافة كانت محكمة، فاضطر إلى استخدام سيجارته المشتعلة في فك الخيوط. التهم واحدة كانت مغطاة بالسكر الأبيض، ثم حمل كوب الشاي واتجه ناحية التلفزيون المغلق منذ شهور، مد باطن يده ليمسح طبقة من التراب تغطي الشاشة، فتحولت الشاشة إلى مرآة مقعرة، تزايدت ضربات قلبه وهو يرى نفسه فيها عجوزًا نحيف الوجه له شارب أبيض من السكر الناعم.

- رن هاتفه المحمول، نظر إلى الرقم كثيرًا، وقرر ألا يجيب على الأرقام المجهولة، حاول أن يخمن المتصل، تجلت أمام عينيه صور لأشخاص كثيرين، تزايدت ضربات قلبه وهو يرى وجوهًا فشل في أن يعرف أسماء أصحابها.

- في الراديو كان صوت أم كلثوم به رائحة الشتاء في شوارع وسط المدينة في الستينيات، أصابته نوبة حنين مفاجئة لأشياء لا يعرفها. قرر أن يرفع الصوت على الرغم من الصداع المسيطر على رأسه لينتشر فيه من الخارج إلى أقصى أعماق الداخل. ابتلع حبة البانادول بما تبقى في كوب الشاي، ثم ألقى بعقب سيجارته داخل الكوب، أشعل عود بخور وأغلق الأنوار وتمدَّد في فراشه، تزايدت ضربات قلبه وأم كلثوم تؤكد له "إنت ما بينك وبين الحب دنيا".

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .