"أبويا الأستاذ طاهر ضبطني مرَّة" أقف إلى جوار عربة البطاطا المشوية بصحبة زميل له، فسألني بحنو بالغ: "فيه إيه يا حبيبي؟"، فقلت له ببراءة بالغة: "أصل أنا قلت لعمو رمضان يجيب لي بطاطا". المهم، شكر الأستاذ طاهر "عمو رمضان"، وأخذني من يدي إلى المنزل، وبعد ثلاث خطوات بالتمام "أمسك أبويا بالبطاطا الساخنة ثم هرس بها وجهي" - بالضبط كما تزين التورتة بالكريم شانتيه - كان عمري وقتها 7 سنوات، ثم نظر إليَّ بصرامة قائلًا "علشان تحرَّم تقول لحد هاتلي حاجة".
هكذا وباختصار، علَّمني أبي فضيلة الكرامة عن طريق البطاطا، والدي صاحب فلسفة عملية في التربية، لم يقل لي في يوم من الأيام "ذاكر"، لكنه كان يقول: "تخيل يا عمر يا حبيبي لو "هابي قصير داود" زميلك، طلع دكتور وأنت طلعت تمرجي عنده"، كان يقولها ويمشي ويتركني طوال الليل بين الكتب والمذكرات وعفريت زميلي العزيز الذي كلما غفلت قليلًا أثناء المذاكرة، أراه في الحلم يقول لي "جهز لي شنطة الكشف الخارجي يا شبشب"، لم يقل لي "لازم تكون راجل قوي وتاخد حقك بدراعك"، لكنه - يوم دخلت عليه وحاجب عيني مفتوح لأن يوسف ضربني في المدرسة - أخرج من حقيبتي البرجل وقال لي "شوف هوَّ عورك فين واضربه علشان محدش فيكم يبقى أجدع من التاني"، وحتى اليوم كلما قابلت هذا الصديق يأخذني بالأحضان ولا نتحدث سوى عن وجهه الذي أخذت منه ثأري وثأر جيفارا ووليم والاس والخميس والبقري وزهران الذي أعدموه في دنشواي! وعندما قاربت على الانخراط في سلك الجماعات المتطرفة، أخذ لي إجازة 20 يومًا من المدرسة، وأرسلني في رحلة ترفيهية إلى أسوان مع شبان وفتيات الحزب الوطني، ومن بعدها وصلاتي متقطعة!
وعندما وجدني أرتعد خوفًا كطفل لأنني شاهدت عمي يطلق الأعيرة النارية في إحدى المناسبات، اشترى لي بندقية صيد، وبنى فوق سطح البيت المقابل لمنزلنا تبة من العلب الكرتون وأعطاني "كورس رماية"، ثم وجدتني أستخدم البندقية في فرح أحد أقاربي بعدها بشهرين. 
والدي - العملي جدًّا - لم أحب أحدًا إلا من خلال مقارنته به. أذكر عندما بدأت أشتغل بالصحافة أنني ذهبت إلى مطربة عربية لأُجري معها حوارًا، وبعد انتهاء الحوار قدم لي مدير أعمالها مظروفًا به مئة دولار، فنظرت إليه وألقيت بالمظروف في وجهه، وخرجت إلى الشارع أبكي، وشعرت وقتها أن رائحة البطاطا الساخنة تغطي الكون.

كاتب مصري