العدد 5449
الجمعة 15 سبتمبر 2023
banner
السندريلا
الجمعة 15 سبتمبر 2023

قضيت وقتا طويلا في المطبخ أفتش عن لقمة تسد الجوع، ثم قررت اللجوء للحل الأسهل، الجبن الأبيض ينام في قلب رغيف بلدي ساخن، أخرست جوعي وخرجت بـ “خمسينة شاي” جديدة.


كانت محطة ماسبيرو زمان تعرض برنامج أطفال “ثمانينياتي” بمذيعة تحكي قصة السندريلا، أفكر في قصة من عمر البشرية تقريبًا يرويها الجميع بنغمة واحدة، من وجهة نظر لا تتغير، لماذا لم يفكر أحدهم مثلا أن يروي القصة من وجهة نظر نائب الملك؟ رجل محترم يجوب شوارع المدينة يحمل فردة حذاء “تحت باطه”، ينحني أمام كل فتاة عشرينية تقابله طالبًا منها أن “اديني رِجلك”، دخل معظم بيوت المملكة، هنا بيت مرعب وآخر مرح دافئ، بيت يحتفل وآخر يغرق في مأساة، بيت به واحدة تأسره ولا تطلق سراحه قبل أن يجيب عن ثلاثة أسئلة، وآخر به واحدة تتوسل إليه أن ينقذها، واحدة أغوته وثانية وقع في غرامها وثالثة قالت له أنت رجل تافه.


وقت يمر وملك على أعصابه يتوعد النائب إذا تأخر بنفيه إلى جبل الطاطورة، “فلاش باك” في ذهن النائب لأغرب المهمات التي أرسل فيها، كيف أهلكته نزوات الملك وقصص حبه البائسة التي جعلته يقع في غرام السندريلا، تضيع منه فردة الحذاء فيخوض مغامرة مع رجلين أحدهما أصم والآخر لديه ساق أطول من الأخرى، حيث يواجهون خلالها كائنًا نصفه الأسفل كنغر والعلوي كلب بلدي، حتى يستعيدوا الفردة. ربما أبدأ في كتابة هذه القصة إذا عثرت على نهاية حلوة.


قضيت وقتًا طويلًا يشغلني سؤال “أبتدي من فين؟”، حيرة الأسئلة الوجودية تتجسد هنا كاملة، يمكن للواحد أن يبدأ من أية نقطة، اكتشفت أن السؤال الذي يجب أن يشغلني “هاقفل فين؟”، أين يمكنني أن أستقر بالأفكار التي تشتت تنفسي وإبصاري؟ صرت أؤمن أن الكتابة لها كلمة سر واحدة “أن تبدأ”، انطلق لكن لابد أن تكون انطلاقتك مشروطة، لن يمنحك تطبيق الـ gps مسارًا ما لم تحدد له نقطة الوصول، كذلك الكتابة، إذا قررت أن تنطلق من ميدان التحرير بلا وجهة فستضيع، لكن إذا قررت أنك تريد الوصول إلى الإسكندرية فلن تستهلكك إلا الطرق التي تؤدي لها، ربما في نقطة ما تكتشف أن مرسى مطروح أفضل، لكنك عرفت أنها أفضل لأنك قارنتها بالإسكندرية. إدارة الوقت وتفادي التشتت يخدمان الكتابة، يحتاج الواحد إليهما في مهنة يجب أن يتفرغ خلالها لكتابة الظل لا الثمار.


كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .