العدد 5442
الجمعة 08 سبتمبر 2023
banner
عن عمار الشريعي
الجمعة 08 سبتمبر 2023

كان الملحن الكبير عبدالعظيم عبدالحق بطل أحد المسلسلات التي يلحن عمار أغنياتها، وحضر إلى الاستوديو ليغني، استقبله عمار بحفاوة وبخجل أن يغني أستاذ لتلميذ، فقال له عبدالحق “أنا لما ب اسمع مزيكتك ريقي بيحلو في بوقي”، وهذا اختصار غير مخل.. منح عمار الموسيقى المصرية حلاوة شكلت جزءا من تاريخ المصريين الاجتماعي والإنساني.


أثر يبدأ من تترات المسلسلات التلفزيونية، بشراكة كبار شعراء مصر أصبح التتر عملا فنيا مستقلا وليس تابعا للحكاية، تحول التتر على يده إلى مادة للسماع والتأمل، منفذ لتقديم أفكار لا يقوى عليها سوق الكاسيت المشغول بحسبة “ما يطلبه المستمعون”، اخترع عمار منفذا قدم فيه للمستمعين ما لا يقدرون على ترجمة احتياجهم لطلبه. منفذ بدأ بالأغاني ثم الموسيقى، بعد أن درب عمار آذان المصريين على التعامل مع التأليف الموسيقي، سحبهم بعيدا عن كسل فني جعل معظمهم يرتاحون لوجود مطرب يفسر الألحان في كلمات، وزرع في ذوقهم لياقة الإعجاب بالموسيقى الصافية في وقت لم يكن هناك من يقدم لهم هذه الخدمة. نباهة صنعتها خبرة عازف بدأ من تحت الصفر، يحكي زميل له في طفولة التعليم أنهم كانوا يذهبون لتحسس جسد عمار عندما يعزف على الأكورديون ليتأكدوا أن هذا النغم خارج من طفل في سنهم. تعلق مبكرا بالموسيقى، ولم يفسده أن الطفل مدلل وابن عمدة، وكانت الرغبة في التعلم والإتقان صافية، فبدأ عازفا في الفرق الشعبية في أفراح الحواري، ومنها إلى الملاهي ثم المسارح خلف كبار المطربين، قطع عمار الطريق بانتظام، في البداية كعازف، ثم امتلك جرأة تقديم نفسه كملحن.


وبعد أن وضع عمار لمسته على “الوجدان” اختار أن يضع لمسته على “الوعي”، فكانت معجزته الإذاعية “غواص في بحر النغم” (بدأ عام 1988)، وهي “شغلانة” من اختراع عمار، أن تعلم الناس كيف يستمعون إلى الأغاني وكيف يكتشفون خبيئاتها. يعرف أي شخص أن هذه الأغنية جميلة ثم يأتي عمار ليفسر جمالها، ليشرح للواحد لماذا تعجبه. استمع معظمنا للأغنيات التي يحفظها مع عمار وكأنها يستمع إليها للمرة الأولى. كان عمار الشغوف بمتابعة مباريات كرة القدم يقول: “لو المذيع كويس أشوف الماتش كويس”، بهذه النظرية جعلنا عمار نستمع للأغاني “كويس”. ولد عمار محروما من نعمة البصر لكنه يمتلئ من “ساسه ل راسه” ببصيرة مُلغزة.


كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية