لئن كانت الولايات المتحدة قد نأت بنفسها عن المشاركة في العدوان الثلاثي، خريف 1956 على مصر، والذي كان من أسبابه الرئيسة تأميم قناة السويس على يد الزعيم العربي والرئيس المصري جمال عبدالناصر، فإن الولايات المتحدة نفسها لم تترك أي مجال للشك في التحليلات المحايدة بأنها هي التي خططت لاغتيال الزعيم الوطني البنمي عمر توريخوس في 31 يوليو 1981، وذلك بعد أن وقف عقبة كأداء في وجه مطامعها الاستعمارية في قناة بلاده الواقعة في برزخ استراتيجي يتوسط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي والبحر الكاريبي. ويخصص جون بركنز، عميل السي آي إيه، أربعة فصول من كتابه المهم "اعترافات قاتل اقتصادي"، (ص 81 - ص 99) يوثق فيها - تحت تأثير تأنيب ضميره - دوره في تلك الأحداث التي دفعت حكومة بلاده إلى اغتيال توريخوس في حادث طائرة عسكرية، عمدت إلى جعله غامضاً.
علماً أن توريخوس لم يكن جنرالا يسارياً، بقدر ما كان شخصية وطنية محبوبة من قِبل شعبه، لكن مشكلته تكمن في رفضه الانصياع للهيمنة الأميركية التي تٌعرّض مصالح بلاده الاقتصادية للاستغلال الصريح، ولم يكن توريخوس ينتمي إلى الديانة الإسلامية كما يوحي اسمه للوهلة الأولى، رغم انتمائه في الغالب للديانة المسيحية الكريمة، فقد تبيّن أن الكثيرين من أبناء شعوب أميركا اللاتينية يحملون هذا الاسم العربي الجميل، لكنهم بعفويتهم الطيبة لم يتوقفوا عند ما يحمله من هوية أو دلالة دينية، فقد شاع الاسم بينهم تحت تأثير انتشار التراث الأندلسي العربي الإسلامي الوافد من أسبانيا إلى مستعمراتها في أميركا الجنوبية، وإلى حدما في أميركا الشمالية، ومن الذين تسموا به لاعب كرة القدم الأرجنتيني غابرييل عمر باتيستوتا، والجنرال الأميركي الذي شارك في الحرب العالمية الثانية عمر نيلسون برادلي، ولاعب كرة القدم المكسيكي عمر براڤو، والنائب الاشتراكي الأسباني عمر أنجوينا، وفنان بويرتوريكو الذائع الصيت وليام عمر، واللاعب الأرجنتيني الراحل عمر سيفوري.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد قرر المفكر والأديب العربي المسيحي اللبناني الكبير الراحل مارون عبود (ت 1962) تسمية ابنه البكر محمداً تيمناً باسم نبي الإسلام محمد (ص)، وبارك له هذه البادرة الجريئة شريكه في الوطن اللبناني والديانة الواحدة، الأديب الكبير والمؤرخ أمين الريحاني.
وبعث إليه من مهجره مهنئاً: "أخي مارون عبود أصافحك بيد الحُب والإعجاب وأهنئك بصبيك الجديد، أحسنت يا مارون أحسنت وخير الآباء أنت، إن المستقبل لهذا الجيل من الإخوان"، وأهدى طفله المولود قصيدة جميلة هذا مطلعها:
عشت ياابني ياخير صبي.. ولدته أمه في رجب
فهتفنا واسمه محمد.. أيها التاريخ لا تستغرب
خفف الدهشة واخشع إن رأيت.. ابن مارون سميا للنبي
أمه ما ولدته مسلما.. أو مسيحياً ولكن عربي
والنبي القرشي المصطفى.. آية للشرق وفخر العرب
وينقل الناقد اللبناني الراحل محمد دكروب عنه سبب تسميته لابنه محمداً: لأن لسميه النبي محمد العربي مقاماً سامياً في نفسي، وأحبه حُباً جماً، وأعجب بشخصيته الفذة، ويضيف بأنه كره إلى حد الاشمئزاز - على حد تعبيره - اتخاذ الأسماء العربية بين أبناء الوطن الواحد علامة استرشادية للتكاره والانقسام الطائفي فيما بينهم. ولعل أبا محمد مارون عبود - كما يحب أن يُكنى - والذي تُوفي في 1962 قد ارتاح قلبه دون أن يشهد حرب شعبه الأهلية الطويلة (1975 - 1990) والتي كان من أشد رزاياها التعرف على اسم الفرد واسم منطقته؛ للاستدلال على هويته الدينية من قِبل الميليشيات المتحاربة عند حواجزها المقيتة، فيتم بناءً على ذلك غالباً قتله فورا.
كاتب بحريني