العدد 5373
السبت 01 يوليو 2023
banner
وثائق البحرين.. ومهنها الشعبية
السبت 01 يوليو 2023

منذ التسعينيات والبحرين تشهد شغفاً عارماً بتراث البلد وتاريخه من قِبل فئة كبيرة من المثقفين، على اختلاف اهتماماتهم بضروب التراث والتاريخ الوطني، ومن ذلك: نشر الصور التاريخية، وإنشاء المتاحف المنزلية، واقتناء منتوجات المهن الحرفية الشعبية، وإصدار الكتب المتعلقة بتاريخ المدن والقرى، ومزادات بيع الوثائق القديمة.
ومن الكتب القيّمة التي صدرت في الفترة الأخيرة المهتمة بهذا الشأن سنكتفي بتناول اثنين منهما: الأول "وثائق البحرين التاريخية" للأُستاذ عبدالجليل أحمد عبدالله، والثاني "عراقة مهن بحرينية" للأُستاذ عيسى بن أحمد الحايكي. ففي الكتاب الأول "وثائق البحرين التاريخية"، وهو كتاب ضخم صدر في مجلد جميل بورق مصقول أقرب إلى الألبوم، وتكبّد المؤلف في جمع وثائقه وإصداره مبالغ طائلة مُذهلة إرواءً لعشقه الجنوني في جمع الخرائط التاريخية، وقد قسّم المجلد إلى تسعة أبواب: وثائق حضرة صاحب الجلالة ملك مملكة البحرين المعظم، ووثائق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليقة حاكم البحرين وتوابعها، ووثائق الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها، ووثائق الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها، ووثائق الشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين وتوابعها، ووثائق الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة (وزير حاكم البحرين وتوابعها الشيخ عيسى بن علي آل خليفة)، ووثائق إدارة السيد تشارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين، ووثائق متفرقة في عهود مختلفة، ووثائق توقيعات الشيوخ وكبار المسؤولين، وأخيراً وثائق بنك البحرين الوطني.
وإذ تتصفح هذا المجلد الجميل، يجول بك مُعده في جولة ممتعة بين دفتيه للاطلاع على وثائق تاريخية نادرة، لعل الكثير منها تُنشر للمرة الأولى. ولما كان المُعد معنيا بنشرها، فقد اكتفى بشروحات أو كلام صور مختصر عنها، ولعل الأجمل لو خصص بابا لشرح مختصر أطول لتاريخية وظروف نشرها، وعلى أي حال ففي تقديرنا ان هذا المجلد الفخم الذي صدر فيما ينوف على ثلاثمئة صفحة، وخط غلافه محمد البحارنة، ودققه لغوياً محمد أحمد، وقدّمه د. نادر كاظم، سيأخذ مكانه اللائق في المكتبة البحرينية، ناهيك عن المكتبة الخليجية والمكتبة العربية، كواحد من أهم المصادر الوثائقية العلمية الخاصة بتاريخنا الوطني.
أما الكتاب الثاني فقد جاء عنوانه دالا على عشق مؤلفه الأُستاذ عيسى بن أحمد الحايكي لهذه الأرض وجذورها بناسها الطيبين "عراقة مهن بحرينية"، والذي شرّفنا بكتابة مقدمته، فهو أيضاً صدر في مجلد أنيق يزيد عن الثلاثمئة صفحة، وقد جاء تحت عناوين متعددة تفوق ثمانين حرفة ومهنة قديمة وحديثة، تناولها المؤلف بشرح معقول مختصر، ومن أهم تلك الحرف والمهن التي خصها الحايكي في كتابه: الغوص، الطواشة، المخارقة، القلاف، صناعة الفخار، خياطة ثوب النشل والبشوت، النجارة، الصياغة، صناعة القراقير، الحدادة، صناعة الفخار، الخبازة.. والتي اضطلع بها بحرينيون عديدون، لكنها تقتصر اليوم على خبازين من أصول إيرانية وآسيوية، والحياكة، وسف الخوص، وفتل الحبل (والذي كان جدنا رحمه الله من ممتهنيها لاحتياجاته الخاصة)، وصناعة ماء القروف "المعروف بماء اللقاح"، وهي من المهن القليلة القديمة التي لا تزال رائجة جداً في زماننا، وقد عدّد المؤلف مستعيناً بعاشق التراث الأستاذ حسن الحلال أهم العائلات التي امتهنت هذه الصناعة الشعبية، ومن بينهم جد ووالد كاتب هذه السطور رحمهما الله. واللافت أنها اقتصرت على عدد محدود من القرى رغم العدد الكبير من قرى البحرين الزراعية!
والباحث إذ بذل جهداً عظيماً في جمع مادة كتابه الشائق، فإن ما يميز كتابه المهم في هذا الحقل التراثي التاريخي أنه تناول العديد من المهن التي لم يسبق أن تناولها من سبقوه في هذا المجال. 
وأخيراً فلعل من الجدير ذكره أيضاً أن الباحث عيسى الحايكي هو من المحرقيين الذين أسسوا متحفاً منزلياً خاصاً بالتراث، وعلاوة على ذلك فهو يهتم في فجر كل يوم بأن يُتحف أصدقاءه بواحدة من أجمل صور المهن القديمة العريقة، أو الأسواق الشعبية، وكذا معالم ومنشآت البحرين المعروفة منذ بواكير النهضة الحديثة.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية