سألني الصديق: ما معنى أن تكون مثقفاً؟ قلت: أن تكون مثقفا كاتبا جوالا أو قارئا في المقاهي وعلى الأرصفة، وفي جميع الأحوال والفضاءات ومهما تغيرت الجغرافيا هي أن تكون أنت نفسك دون ماكياج أو تزييف.
قال الصديق: هل يمكن للمثقف أن ينقذ العالم من حالة الغربة والضياع غير الله؟ قلت: إن الثقافة مسؤولية والتزام؛ تكوين فكري ووضوح منهجي؛ انتصار للفكرة في أبعادها الإنسانية والكونية. لهذا؛ ينتصر المثقف؛ عادة؛ للموضوعية على حساب الذاتية، ولذلك؛ لا يصلح المثقف لخدمة تيارات آيديولوجية منغلقة تدعي إنقاذ العالم وإنقاذ البشر؛ لأن رسالته تتجاوز التصنيف الآيديولوجي الضيق. وهذه الصورة الملتزمة للمثقف الذي ينتصر للعدالة والقيم الإنسانية: وهي في النهاية نوع من الشجاعة التي تعلن حربا لا هوادة فيها على التزييف والتفاهة والتافهين الذين يصنعون - بتعبير يقول المفكر الفرنسي بونيفاس - عملة ثقافية مزورة. أي عندما لا يختلف المثقف عن مزوري العملات الذين يهددون التوازن الاقتصادي والثقافي والاجتماعي؛ من خلال الديماغوجية والمساهمة في نشر الكراهية والعنصرية والنفاق. 
أن تكون مثقفا هو أن تتحلى بما يشبه روح الطفولة التي توحِّد العالم. وتحرير روح الطفولة فينا مهمة أساسية في أي عمل ثقافي أصيل.
قال الصديق وقد سئم مما يسميه الدوران في حلقة مفرغة: لماذا اللف والدوران، ألست أحد الضائعين في زحمة الجغرافيا والألوان واللغات والتحولات وأنت تسير في الشوارع؟ قلت: أن أسير في الشوارع وأرى كل تلك الوجوه الملونة واللغات المتعددة فإنني لا أرى سوى الإنسان يلفه المكان والزمان والنور والظلام والنسيان في رحلة الهواء والهراء الطائفي والعرقي، فهذه التقسيمات لم تستقل بثقافاتها سوى لإيقاظ مشاريع الحروب، ولم تستثمر بعد لبناء ثقافة متعددة قد يحسدنا عليها العالم. قال الصديق: ألا تخاف من التجديف ضدَّ التيار في بعض ما تكتب في مواجهة الرواسخ واسعة الانتشار والقداسات المزيفة؟ قلت: الصدق فيما نكتب وفيما نقول لا يعني الوقاحة. النزاهة فيما نكتب تعني فيما تعنيه كسر قشرة اللياقة المزيفة، بما في ذلك إمكانية اتخاذ موقف مُعارِض للرأي العام نفسه دون خدشه. أي نقده من داخل منظومة القيم المشتركة نفسها، وليس من خارجها، هذه أهم رسالة للمثقف فيما أرى.
* كاتب وإعلامي بحريني