العدد 5013
الأربعاء 06 يوليو 2022
banner
القصير والعملاق!
الأربعاء 06 يوليو 2022

وقف مشدودا يُكافح لتصل يدُه إلى قواطع “الأستنلس” بعربة المترو لتحميه من الوقوع، ولأنه قصيرُ القامة أخذ يمُط جسمه ويقف على أطراف أصابعه وهيهات هيهات أن يصل، رضي بالأمر الواقع واستقر مكانه يتموج في القطار، ويعتمدُ على من بجواره كلما همّ بالسقوط. وقف بجانبه رجلٌ يتباهى بعضلاته المفتولة وبنيته الضخمة.. كانت يدُ المفتول كلما أسرع القطار تلتطم بوجه الشاب القصير، الذي ضاق ذرعا فاضطر إلى لومه فرد عليه ساخرا: وماذا أفعل لقصرك؟ نزلتْ هذه الكلمةُ على آذاننا نزول الرعد، متسائلين: أ لكونه قصيرا تدُوسه الأقدام، ولا يرقب فيه القوي ذمة؟ هل وصل الجورُ والظلم بيننا إلى هذا الحد؟ وهل هذه هي سماحةُ الإسلام التي عانى النبيُ لترسيخها، ودخل الناسُ بسببها دين الله أفواجا؟
كان الناسُ قديما في رباط ومودة.. الجارُ يصون بيت جاره، يحفظ أهله وماله وعرضه، القوى يحنو على الضعيف، يرعى شؤونه ويُلبي مطالبه، المجتمع كله يكفل الفقير ويسُد حاجته، كان الناس كالجسد الواحد، فأنزل الله عليهم بركة في الرزق، الذي كان رغم قلته يكفي ويزيد، وبركة في الأهل والولد. أما فى زماننا هذا فسقطت قيمٌ كثيرة وحلت محلها سلوكيات شاذة غريبة عن مجتمعنا، فشاع الظلمُ والجور والطغيان، حلت القسوةُ محل العطف، الشدةُ محل اللّين، الغضبُ محل الحلم، الكذبُ محل الصدق، انتشر ترويعُ الآمنين، فشت روحُ “الاستسهال والاستهبال والفهلوة” والشطارة التي صار معناها أن تضحك على أخيك وتسلبه حقه، فماذا ننتظر من ربنا الموصوف بالعدل؟ هل ننتظر سعادة ورخاء؟ كلا والله، فقد جاء الجزاءُ من جنس العمل، فألفينا هذا يُعاني شظف العيش، وذاك يشكو نشوز زوجته وثالث يبكي عقوق أولاده، كل هذا بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير.
أريد أن أقول إن صلاح المجتمع ورغد العيش مُحالٌ أن يتحقق إلا بصلاح أنفسنا وتمسكنا بروح الإسلام السمحة التي فتحت البلاد، وأذعنت لها قلوبُ العباد، تلك الروح التي بسيادتها لن تجد على الأرض أثرا لظلم أو صورة لجور، لن تجد قطعا للطرق وسرقة للبيوت، لن تجد اعتداء على النساء وهتكا للأعراض، لن تجد كذا وكذا من أمراضنا العضال، وصدق الله القائل “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .