+A
A-

الشيخ عبدالرحمن بن محمد: الكتاب يتناول حاضر القضاء البحريني ضمن سياقه التاريخي

صدر مؤخرا كتاب (تاريخ القضاء في البحرين) لمؤلفه معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، يتناول فيه معاليه المسيرة القضائية وملامحها وتطورها في البحرين منذ عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح في العام 1783م وحتى بداية الثلث الأخير من العام الجاري (2021م).

وقدم المؤلف كتابه بمدخل تاريخي اجتماعي عميق للبحرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ لكون تطور القضاء مرتبطا بتطور المجتمع، واستعرض في الفصل الأول من الكتاب النظام القضائي في البحرين في عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح وحكام آل خليفة في الفترة من 1783 إلى 1869م، مع توصيف دقيق لأنظمة القضاء السائدة في المنطقة آنذاك، متناولا نموذج القضاء في البحرين وطابعه الإسلامي الذي تفرد به، والدور المحوري لآل خليفة في تعزيز القضاء في البحرين والزبارة، مع إشارة إلى المكان الذي كان يجري فيه التقاضي ونسقه وإجراءاته، والمؤسسات القضائية في البحرين في تلك الفترة، سواء المؤسسات ذات الاختصاص القضائي المباشر؛ وهي: القضاء الشرعي السني، والقضاء الشرعي الجعفري، وقضاء الحاكم، ومحكمة سالفة الغوض، ومحكمة دار الاعتماد، أو المؤسسات ذات الاختصاص القضائي غير المباشر المتمثلة في المجلس العرفي، وأحكام الري.

وفي الفصل الثاني من الكتاب يتحدث المؤلف عن النظام القضائي في البحرين في القرن العشرين ودور المغفور لهما حاكمي البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ونجله الشيخ حمد بن عيسى في تطوير القضاء، مستعرضا التطورات الاجتماعية والاقتصادية في البحرين آنذاك، مثل تأسيس التعليم، وتأسيس البلدية، واكتشاف النفط، وكيف أسهمت تلك التطورات في تغيير النظرة الاجتماعية للحقوق بعد تطور أفهام الناس، وإدراكهم للحاجة إلى تطوير عملية التقاضي ومأسستها، متناولا تطور النظام القضائي من جوانب عدة مثل القضايا والقوانين والأحكام التي كانت تصدر بحق المدانين في قضايا مختلفة، وتنظيم مرفق القضاء وتطويره، واستحداث بعض المحاكم والهيئات القضائية الجديدة في بداية القرن العشرين؛ وهي: المحاكم المشتركة، ومحاكم البحرين، ومحكمة الاستئناف.

كما يتناول المؤلف في هذا الفصل آلية تعيين القضاة في تلك الفترة، وتأسيس دائرتي الأوقاف السنية والجعفرية، وإنشاء دائرة أموال القاصرين، والتطورات التي رافقت تعزيز القوانين وكتابتها، وتطور الأنظمة القانونية والإدارية للمحاكم.

وفي الفصل الثالث من الكتاب يتحدث معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد عن تطور النظام القضائي في عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ودوره في تعزيز القضاء، واهتمامه بتدريب القضاة البحرينيين وابتعاثهم للخارج لتلقي دورات متخصصة، وتطويره لعمل المحاكم، والأنظمة الجديدة التي أدخلت لتسجيل وحفظ القضايا وتبويبها وتعيين المستشارين للارتقاء بالعمل فيها، بالإضافة إلى القوانين المنظمة لمرفق القضاء التي صدرت في تلك الفترة.

ويفرد معاليه الفصل الرابع من الكتاب للحديث عن تطور النظام القضائي في عهد المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، فيتناول تطور النظام القانوني في مجالات: القانون الدستوري، والقانون الجنائي، والقانون المدني، مدعما ذلك بالإحصاءات الموثقة التي ترصد التطورات آنذاك، مثل عدد القضاة والمحاكم والقضايا المعروضة عليها، وتنمية أموال القصر، وأعمال مكتب التوثيق، كما يستعرض اختصاصات القضائين المدني والشرعي، وآليات عمل النظام القضائي في الدعوى القضائية ودرجات التقاضي، والتعيينات القضائية.

أما الفصل الخامس من الكتاب فقد خصصه المؤلف للحديث عن التطور القضائي في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، مستعرضا تطور القوانين والتشريعات في المجال الدستوري والجنائي والمدني، والتشريعات المتعلقة بالقضاء الشرعي.

ويتناول المؤلف في هذا الفصل التعديلات والتطويرات التي حدثت في القوانين التي كانت سارية بما يواكب المتطلبات الجديدة، بالإضافة إلى تطوير وتحديث عمل المحاكم كاستحداث نظام إدارة الدعوى العمالية، ومحكمة المرور، والمحاكم الجنائية والتجارية والإيجارية، وإعادة التنظيم والإفلاس، وتشكيل محاكم متخصصة للنظر في المسائل الإدارية، وإنشاء محكمة التمييز الشرعية، وإنشاء محكمة العدالة الإصلاحية للطفل، وافتتاح مجمع محاكم الأسرة، ومكتب التوفيق الأسري، واعتماد النظام الإلكتروني لإدارة الدعاوى.

وضمن المؤلف كتابه قائمة بأسماء جميع من تولوا شرف القضاء في البحرين على مدى أكثر من قرنين، مع ملحقين للوثائق التاريخية والصور.

وفي المجمل، سيجد القارئ أن الكتاب هو حصيلة متابعة وقراءة متأنية وعميقة كرس فيها المؤلف خبراته الواسعة وسيرته الزاخرة لكونه أحد الرجال الرواد في القضاء البحريني منذ العام 1966م، تولى بعدها منصب وكيل وزارة العدل والشئون الإسلامية، ثم رئيس محكمة التمييز نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ثم مستشار جلالة الملك للشئون القانونية، ثم نائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ثم رئيسا له حتى الآن.

وبهذه المناسبة، صرح معاليه لوكالة أنباء البحرين (بنا) قائلا: "أحمد الله سبحانه وتعالى على توفقيه بصدور هذا الكتاب الذي كان فكرة تراودني منذ سنين طويلة، فصارت تلك الفكرة مشروعا جادا، وعقدت العزم على البدء فورا في تأليفه".

وأضاف معاليه أن الكتاب هو نتيجة عمل حثيث لمدة طويلة من استحضار التاريخ ومراجعة الكتب والمصادر والوثائق، ليكون شاملا لتاريخنا القضائي منذ العام 1783م مع دخول عائلة آل خليفة الكرام وقيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح، وحتى العام الجاري 2021م، مشيرا معاليه إلى أن تناول هذه المدة الزمنية الطويلة أمر غير يسير، ولكنه مهم ومطلوب لكون أحداث هذه المرحلة مترابطة في سياق زمني متسق شهد نموا وتطورا مطردين، مما يضع القارئ الكريم أمام حاضر القضاء البحريني ضمن سياقه التاريخي، ويعطي للقارئ رؤية مهمة للتفاعلات والتحولات والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية التي حدثت في البحرين وتأثيراتها في البنية التشريعية والقانونية والقضائية، راجيا أن ينتفع بهذا الكتاب الباحثون والمهتمون، وأن يكون دافعا لمزيد من الاهتمام بالجهد التوثيقي الموضوعي في مختلف المجالات باعتبار أن معالجة الموضوعات ضمن سيرورتها التاريخية من أهم مرتكزات التطوير والتنمية والبناء.