+A
A-

دراسة بحرينية تدعو لصياغة مفهوم شامل للصلح الجنائي

- وسيلة مهمة لتحقيق العدالة الناجزة

- يحد من اللجوء للعقوبات السالبة للحرية في الجرائم البسيطة

- التشريع البحريني يمتاز بالدقة في تحديد نطاق تطبيق الصلح الجنائي الخاص

أوصت دراسة قانونية بحرينية مُنح باحثها درجة الماجستير بتقدير ممتاز، بدعوة محكمة التمييز البحرينية إلى صياغة مفهوم شامل للصلح الجنائي؛ ليكون مشكاة تستضيء به المحاكم على اختلاف درجاتها، وفقه القانون البحريني والمقارن.

وقال الباحث محمد النجار إن هذه الدعوة تأتي بالتماشي مع تقرير إجراء الصلح الجنائي ضمن القواعد الإجرائية، الأمر الذي يتوقع التوسع في تطبيقه مستقبلًا.

وأشار إلى أن دراسته المقارنة والمعنونة بـ"الصلح الجنائي وأثره على الدعوى الجنائية في التشريع البحريني" تعد الأولى من نوعها على مستوى مملكة البحرين.

وبين أن الدراسة تناولت موضوع الصلح الجنائي بعد صدور القانون رقم (7) لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، بوصفه الشرعة العامة والإطار القانوني المنظم لمشروعية الصلح في المسائل الجنائية.

ولفت إلى أن مشكلة البحث دارت حول تقرير مدى جواز عَدّ الصلح الجنائي بديلا عن السير في إجراءات الدعوى الجنائية، خلافًا للأصل العام، وصولًا لتقرير مدى انسجام التشريع البحريني في تبني الاتجاهات الحديثة القائمة على العدالة التصالحية في شأن الصلح الجنائي.

وبين أن أهمية دراسة موضوع الصلح الجنائي كإجراء بديل عن السير في إجراءات الدعوى الجنائية من الناحية النظرية، يتمثل في كونه إجراء يشكل تحولًا في مجال تطبيق العدالة الجنائية والحد من حق الدولة في العقاب، واللجوء إلى بدائل رضائية تشكل قيدًا على النيابة العامة، في الاستمرار بالدعوى الجنائية.

وذكر أن محدودية نطاق جرائم الصلح الجنائي والمحددة سلفاً في القانون، تلزم إيجاد معيار موضوعي لمعرفة أي الأفعال الإجرامية يجوز تقرير هذا الإجراء بشأنها، وأي منها يستوجب أن تأخذ العدالة مجراها نحو إصدار حكم بات في الدعوى الجنائية.

ولفت النجار إلى أن للصلح الجنائي أهمية خاصة تكمن في عَدّه وسيلة لتحقيق العدالة الناجزة، مما له أثر في تقليل عدد القضايا المرفوعة، والدعاوى المنظورة، والحد من الإشكاليات التي تواجه أطراف الخصومة أثناء ذلك، وصولًا لصدور حكم فيها وتنفيذه

وأضاف أن تطبيق الصلح الجنائي يحد من اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية في الجرائم البسيطة ومحدودة الأثر على المجتمع وأطراف الخصومة.

بذرة متواضعة

وعبر النجار عن أمله في أن تكون هذه الدراسة "بذرة صغيرة متواضعة تساهم في تكوين مكتبة قانونية بحرينية تسهم في إيجاد فقه قانوني بحريني مستقل، خصوصاً أن التشريع الجنائي البحريني ما زال يُعدُّ أرضًا خصبة لإعداد البحوث والدراسات القانونية ذات الصلة".

وأشار إلى أن الدراسة المقارنة استعرضت  موقف التشريع البحريني من الصلح الجنائي، ومقارنته بالتشريع الكويتي بوصفه قد تبنى مسلكًا مغايرًا هو أقرب للتشريع الجنائي الإسلامي، والتشريع المصري بِعَدّه النموذج الأوسع والأقدم في تطبيق الصلح الجنائي، مع تدعيم ذلك كله ببيان موقف الفقه والقضاء المقارن.

وخلص النجار إلى أن  إجراء الصلح الجنائي بعده أحد صور العدالة التصالحية، يهدف إلى الحد من عدد القضايا المرفوعة للنيابة العامة، والدعاوى المحالة للقضاء، وما قد يتسبب ذلك في تأخير الفصل فيها، دون تحقيق عدالة ناجزة، الأمر الذي يشكل حينها مساسًا أو انتهاكًا لحق الإنسان في التمتع بضمانات المحاكمة العادلة.

وأشاد الباحث بموقف التشريع البحريني ودقته في رسم الشرعة العامة المنظمة لإجراء الصلح الجنائي، حيث انتهج في تقرير مشروعية الصلح الجنائي الخاص أسلوب تعداد الجرائم التي تكون محلًا لمشروعيته، وهي جرائم قررها القانون على سبيل الحصر لا المثال، مما يعني عدم جواز التوسع فيها أو القياس عليها.

ورأى أن التشريع البحريني امتاز بالدقة في تحديد نطاق تطبيق الصلح الجنائي الخاص الواقع بين الجاني والمجني عليه.

ولفت إلى أن التشريع البحريني وازن بين تحقيق عدالة تصالحية رضائية دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة.

المراجعة الدورية

ودعا الباحث في دراسته إلى تعزيز وتنمية ثقافة أعضاء السلطة القضائية وأجهزة إنفاذ القانون نحو الأخذ ببدائل السير في إجراءات الدعوى الجنائية، بما في ذلك إجراء الصلح الجنائي، وحث أطراف الخصومة أو الدعوى الجنائية نحو اتباعها.

وحث السلطة التشريعية إلى المراجعة الدورية والمستمرة للجرائم محل نطاق تطبيق الصلح الجنائي، ليكون القانون موائمًا ومنسجمًا مع متطلبات الواقع العملي، ومحققًا للغايات المنشودة منه.

وألحق الباحث بالدراسة مقترحا استحسن فيه تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات في المسائل المتصلة بالصلح الجنائي في ضوء النتائج والتوصيات التي خلص إليها في هذا الشأن.