+A
A-

التونسية الرينشي: لا أعلم مصدر ألواني 1 - 2

بمناسبة مشاركتي في ملتقى “معًا للفن المعاصر” في مدينة الحمامات في تونس مارس 2019، وفي المقهى المقابل لفندق البرتقال بصحبة الأصدقاء الفنانين محمد العامري وبسام كيرلوس وإياد صبّاح التقيت الفنانة ربيعة الرينشي. تعارفنا وأثناء الحديث وكعادة البعض من الفنانين تبادلنا وصلات مواقع صفحاتنا في الفيس بوك، بعدها رحت أقرأ ما كتبت وما هو منشور من صور لأعمالها الفنية، فتذكرت ما شاهدته في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين المقام في قاعة خير الدّين في تونس العتيقة، قبل التقائي بها. تواصلنا، لمست جرأتها وصراحتها فاقترحت عليها إجراء محادثة معها، وهذا ما جاد به قلبها:

 

لم اخترت مجال الرسم (الفن) اختصاصا؟ ألم يكن مغامرة لاسيما لجهة النظرة الاقتصادية لهذا النوع من الاختصاص؟ وما موقف عائلتك وقتها؟

درست اختصاص الفنون التشكيلية برغبة جامحة مني، لأنني كنت أهوى الرسم كثيرا في مرحلة مراهقتي. وإن عادت بي العجلة إلى الوراء الآن سأعيد دراسة نفس الاختصاص. فلا أتخيل نفسي إلا أستاذة فنون تشكيلية ورسامة. في ذلك الوقت نعم، كان اختياري لهذا المجال مثل المغامرة خصوصا أن ظروف عائلتي المادية صعبة، ولكنني لم أتوقف للتفكير في ذلك. قلت في نفسي سأختار ما أحب أن أكون عليه مستقبلا وسأترك الباقي على الله كما يقال. عشت شطحات مادية كثيرة وعرفت الحاجة في بعض الأوقات ولكن بفضل والدتي المجاهدة تمكنت من إنهاء مرحلة الأستاذية بتفوق. واضطررت لاحقا في مرحلة الماجستير إلى العمل والدّراسة في نفس الوقت، حيث قدمت دروس لتعليم الكبار وهو برنامج وطني لمحو الأمية في تونس. بعد ذلك في مرحلة الدكتوراه تمكنت من الحصول على عقود للتدريس كمساعدة متعاقدة في المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل. في الحقيقة لم تعارضني عائلتي أبدا في أي مرحلة من مراحل دراستي ولم تجادلني بخصوص قراراتي لأنني اعتدت على الحرية في ممارسة ذلك، وكانت أمي جداري المنيع تساندني وتدعمني ماديا ومعنويا في كل المراحل.

هل للشعر علاقة بالرسم؟

أعتقد أن للشعر علاقة بالرسم، وأستلهم ذلك من العبارة “الشعر رسم ناطق والرسم شعر صامت”، وهي تشير بوضوح إلى علاقة فنية جوهرية بين الرسم والشعر، تقوم على التعبير من خلال الصورة مع اختلاف الأدوات. لقد بدأت العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي منذ أمد بعيد، إذ نلاحظ في تاريخ الفنون التشكيلية أن الكثير من الرسامين يزاوجون بين الرسم والشعر في أعمالهم الفنية أمثال الفنان خوان ميرو الذي يقول “لا أميز أبدا بين الرسم والشعر. أحيانا أوضح لوحاتي بعبارات شعرية وأحيانا العكس”. كذلك الفنان بيكاسو الذي يعتبر نفسه رساما وشاعرا “بعد كل شيء الفنون كلها واحدة. يمكن أن تكتب لوحة بالكلمات كما يمكن أن ترسم المشاعر في قصيدة”. وأنا كفنانة تشكيلية أؤمن بهذه الفكرة وهذا الأسلوب في الإبداع.

 

هل من حضور بارز للمرأة الفنانة في المشهد الفني التونسي؟

أكيد طبعا، تحوز المرأة التونسية مكانة مهمة وفعالة في المشهد الثقافي والفني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها من المجالات. فالمرأة في تونس تسجل حضورها بكثافة وهي متألقة وفاعلة ومتميزة.

هل الحرية ضرورة للفنان؟ وأي حرية؟

طبعا، فالحرية هي أساس الإبداع، فإن لم يكن الفنان يشعر بحريته كيف له أن يكون مبدعا؟ والحرية حسب رأيي هي حرية الفكر، الخلق والإبداع. يجب أن يتمتع الفنان بحرية مطلقة في تجسيد أفكاره ومشاعره في أعماله دون وقوعه تحت الضغط من طرف أو جهة ما، أيضا دون أن تكون حياته مهددة بالخطر، وكذلك يجب أن يكون مستقلا ماديا حتى لا يتحكم أي طرف بنوعية إنتاجه الفني. فالحرية يا صديقي لا تتجزأ بالنسبة للفنان، هي مطلقة نفسية، مادية، فكرية.

 

إجادة أكثر من لغة، بتقديرك هل تسهم في الدفع بتجربة الفنان الفنية إلى التقدم مثلا؟

نعم، إجادة التكلم بأكثر من لغة أجنبية يدفع كثيرا تجربة الفنان إلى المضي قدما في مسارها، ويساهم كثيرا بطريقة فعالة وإيجابية في بلوغها إلى بلدان أوروبية بطريقة أسهل وأسرع.

يطرح بعض الفنانين ممن يكتبون في مجال الفنون البصرية ما معناه “أهل مكة أدرى بشعابها”، وكونك فنانة وكاتبة في هذا الفضاء ما رأيك في هذا الطرح؟

نعم أؤيد هذه المقولة كثيرا، أنا مع فكرة أن لا يكتب في مجال الفنون التشكيلية إلا الفنان أو الباحث الذي يملك شهادة علمية في مجال الفنون. أصبحنا نشاهد في هذا العصر الكثير من الأشخاص يكتبون مقالات وكتب ويسمون أنفسهم نقادا، كل من هب ودب أباح لنفسه التطفل على الاختصاص. فالكتابة يا صديقي كذلك إبداع وابتكار، إذ يحتاج الكاتب إلى امتلاك وتملك آليات الكتابة الجيدة، وكذلك التمكن النظري والمعرفي من مجال الفنون التشكيلية.​