“التمييز” متصدية للتدليس: اﻟﻌﻘﺪ اﻟﺒﺎطﻞ ﯾﻈﻞ ﻣﻌﺪوما ولا ﯾﻨﻘﻠﺐ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﺻﺤﯿﺤﺎ
بطلان عقد التأمين على الحياة إذا أخفيت معلوماتك الصحية
قدِّم معلومات صحيحة عن وضعك الصحي لشركة التأمين في حال توقيعك عقدا للتأمين على حياتك وإلا سيبطل اتفاقك وتنهار مزاياه.
وسبب ذلك أن شخصا لم يقدم معلومات صحيحة عن وضعه الصحي لشركة التأمين على الحياة، واقترض مالا باسم شركته، ثم توفاه الله، وعندما طالب البنك شركة التأمين بسداد الأقساط، ردت الأخيرة بأن المرحوم أخفى معلومات جوهرية تتعلق بتاريخه المرضي، وهو ما أكده الإخطار الطبي بوفاته.
والنتيجة أن محكمة التمييز أبطلت عقد التأمين على الحياة. وتنفرد “البلاد” بنشر حكم حديث غير منشور لمحكمة التمييز.
قصة القضية
خلاف وقع بين بنك وشركة تأمين بعد وفاة شخص أمَّن على حياته. والسبب أن هذا الشخص اقترض باسم شركته للتأمين على حياته، وبعد وفاته لم يتسلم البنك أقساط القرض، فلجأ الأخير للمحكمة لإنصافه، طالبا سداد الأقساط من الورثة أو شركة المتوفى أو شركة التأمين.
وتبلغ قيمة القرض 35 ألف دينار، والمبلغ المتبقى للسداد 29 ألف دينار.
أطراف القضية هم: شركة المتوفى (المدعي عليه الأول)، المتوفى (المدعي عليه الثاني)، شريك المتوفى بالشركة (المدعي عليه الثالث)، شركة التأمين (طرف مدخل بالقضية وهي الطاعنة في قضية محكمة التمييز).
وفي الجهة المقابلة يقف البنك باعتباره المطعون ضده في قضية محكمة التمييز.
وقررت محكمة أول درجة ﺑﺎﻧﻌﺪام اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﯿـه اﻟﺜﺎﻧﻲ وورﺛﺘـه اﻟﻤﺪﺧﻠﯿﻦ، وﺑﺎﻟﺰام اﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻷوﻟﻰ (شركة المتوفى) واﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﻤﺪﻋﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻷوﻟﻰ اﻟﻤﺪﺧﻠﺔ (شركة التأمين) ﺑﺎﻟﺘﻀﺎﻣﻦ واﻟﺘﻀﺎمم ﺑﺄن ﯾﺆدوا ﻟﻠﻤﻄﻌﻮن ﺿﺪه اﻟﻤﺒﻠﻎ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺑـه وﻓﺎﺋﺪﺗـه اﻟﺘﺄﺧﯿﺮﯾﺔ ﺑﻮاﻗﻊ 2 % ﺳﻨﻮﯾﺎ ﻣﻦ ﺗﺎرﯾﺦ اﻻﺳﺘﺤﻘﺎق اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ 5/10/ 2017 ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺎم السداد.
نقضت شركة التأمين الحكم أﻣﺎم ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻻﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﻌﻠﯿﺎ اﻟﻤﺪنية. وﺣﻜﻤﺖ ﺑﺘﺄﯾﯿﺪ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﺴﺘﺄﻧﻒ. ولجأت الشركة للطعن ﺑﻄﺮﯾﻖ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ.
التدليس والإخفاء
الأهم في هذا الحكم بأن شركة التأمين دفعت ﺑﺒﻄﻼن ﻋﻘﺪ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﻛﻮن اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻠﯿـه ﻗﺎم ﺑﺎﻟﺘﺪﻟﯿﺲ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺈﺧﻔﺎﺋـه ﻋﻨﮭﺎ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺠﻮھﺮﯾﺔ ﻋﻦ ﺻﺤﺘـه اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻘﺒﻮﻟﮭﺎ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗـه ﻣﻦ ﻋﺪﻣـه واﻟﺘﻲ إن واﻓﻘﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺤﺴﺒﺎﻧﮭﺎ ﺗﺸﻜﻞ مخاطر ﻛﺒﯿﺮة ﺳﻮف ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻣﻘﺪار اﻟﻘﺴﻂ اﻟﺘﺄﻣﯿﻨﻲ، إذ ﺛﺒﺖ ﻣﻦ اﻹﺧﻄﺎر اﻟﻄﺒﻲ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ وﻓﺎة اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻠﯿـه أن ﺳﺒﺐ اﻟﻮﻓﺎة ھﻮ ﻧﺰﯾﻒ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺮيء واﻟﻤﻌﺪة وﺗﺸﻤﻊ اﻟﻜﺒﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻷﺧﯿﺮة، وھﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﻣﺮاض اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻠﯿـه اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ إﺑﺮام ﻋﻘﺪ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﺣﺠﺐ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﮭﺎ ﻋﻨﮭﺎ، وھﻮ ﻣﺎ ﯾﺠﻌﻞ ﻋﻘﺪ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﺑﺎطﻼ.
وقالت محكمة التمييز في حيثايتها بأن اﻟﻤﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ ﻧﺺ اﻟﻤﺎدﺗﯿﻦ 704، 705 ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﺪﻧﻲ أن ﻋﻘﺪ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﻣﺒﻨﺎھﺎ ﺣﺴﻦ اﻟﻨﯿﺔ وﺻﺪق اﻹﻗﺮارات اﻟﺘﻲ ﯾﻮﻗﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟـه، ﻓﮭﻮ ﻣﻠﺰم ﺑﺈﺣﺎطة اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﺑﺠﻤﯿﻊ اﻟﺒﯿﺎﻧﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﻤﻜﯿﻨـه ﻣﻦ ﺗﻘﺪﯾﺮ اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻨـه وﺟﺴﺎﻣﺘـه، وﻗﺪ ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﻋﻦ طريق اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ أﺳﺌﻠﺔ ﻣﺤﺪدة ﻓﻲ طﻠﺐ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ، ﺣﯿﺚ ﯾﺴﺄل اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟـه ﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﺎ ﯾﺪﻟﻲ ﺑـه ﻣﻦ ﺑﯿﺎﻧﺎت، ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺒﯿﺎن ﻗﺪ ﺟﻌﻠـه اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﺤﻞ ﺳﺆال ﻣﺤﺪد وﻣﻜﺘﻮب، ﻓﺈﻧـه ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺟﻮھﺮﯾﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺮه وﻻزﻣﺎ لتقدير الخطر المؤمن منه، ومن ثم فإن الغش فيما يدليه المؤمن له من بيانات أو إخفاء حقيقة الأمر يجعل التأمين باطلا.
وذكرت: أﻋﺮض اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﻄﻌﻮن ﻓﯿـه ﻋﻦ طﻠﺐ اﻟﻄﺎﻋﻨﺔ (شركة التأمين) إﺛﺒﺎت دﻓﺎﻋﮭﺎ عن طريق مخاطبة مستشفى السلمانية لجلب التقارير الطبية الخاصة بالمتوفى (...) وﻟﺌﻦ ﻛﺎن دﻋﻮى اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻺﺑﻄﺎل ﺗﺴﻘﻂ ﺑﻤﻀﻲ 3 ﺳﻨﻮات ﻣﻦ وﻗﺖ زوال ﺳﺒﺒـه إﻻ أن اﻟﺪﻓﻊ ﺑﮭﺬا اﻟﺒﻄﻼن ﻻ ﯾﺴﻘﻂ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎدم أﺑﺪا وذﻟﻚ؛ أن اﻟﻌﻘﺪ الباطل ﯾﻈﻞ ﻣﻌﺪوﻣﺎ، ﻓﻼ ﯾﻨﻘﻠﺐ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﺻﺤﯿﺤﺎ، وإﻧﻤﺎ ﺗﺘﻘﺎدم اﻟﺪﻋﻮى ﺑـه، ﻓﻼ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ اﻟﻤﺪة اﻟﻤﻘﺮرة ﻗﺎﻧﻮﻧﺎ.
أﻣﺎ إﺛﺎرة اﻟﺒﻄﻼن ﻛﺪﻓﻊ ﺿﺪ دﻋﻮى ﻣﺮﻓﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﺪ اﻟﺒﺎطﻞ، ﻓﻼ ﯾﺠﻮز ﻣﻮاﺟﮭﺘـه ﺑﺎﻟﺘﻘﺎدم؛ ﻷﻧـه دﻓﻊ، واﻟﺪﻓﻮع ﻻ ﺗﺘﻘﺎدم.
المحامي ربيع يشرح حكم “التمييز”: اذكر أمراضك في عقد التأمين
بطلان العقد وسقوط حق المؤمن له في حال إدلائه ببيانات خاطئة في إقرارته
بقلم المحامي محمود ربيع
من المقرر في قضاء التمييز أن قاعدة “الغش يبطل التصرفات” هي قاعدة سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والمجتمع.
ويمثل عقد التأمين نموذجا مثاليا لعقود حسن النية التي تقوم على الثقة المتبادلة بين أطرافها ووجوب اطلاع كل طرف على البيانات والمعلومات اللازمة لكي يبرم هذا العقد؛ لذلك أوجبت المادتان 704 و705 من التقنين المدني البحريني على المؤمن له (طالب التأمين) أن يبين بوضوح وقت إبرام العقد كل الظروف المعلومة له والتي يهم شركة التأمين معرفتها؛ لتتمكن من تقدير المخاطر التي تأخذها على عاتقها، وتعتبر مهمة على الأخص الوقائع التي جعلتها شركة التأمين محل أسئلة مكتوبة محددة، فإذا سكت المؤمن له (طالب التأمين) عن أمر أو قدم بيانا غير صحيح من شأنه أن يتغير موضوع الخطر أو تقل أهميته يجوز لشركة التأمين طلب إبطال العقد.
وذلك لأن عقد التأمين محله الرئيس هو الخطر، فيجب أن يحيط المؤمن له شركة التأمين إحاطة تامة بجميع البيانات اللازمة؛ لتمكينها من تقدير الخطر الذي يؤمن منه وبجميع الظروف التي يكون من شأنها أن تؤدي إلى زيادة هذا الخطر، وإذ كانت شركة التأمين تستطيع بوسائلها أن تقف على بعض هذه البيانات، وأن تلم ببعض هذه الظروف، فإنه غير مستطيع أن تقف عليها جميعا بغير معاونه المؤمن له، ومن ثم يكون الأخير ملزما بتقديم جميع هذه البيانات وتقرير جميع هذه الظروف؛ حتى تستطيع شركة التأمين تقدير جسامة الخطر، فترى إذا كان في استطاعتها أن تؤمن منه وإذا كان ذلك في الاستطاعة تقدير القسط الذي يطالب به المؤمن له.
ومثلا متى كان البيان - الخاص بالمرض - في وثيقة التأمين قد جعلته – شركة التأمين - محل سؤال محدد مكتوب، فإنه يعتبر جوهريا في نظرها ولازما لتقدير الخطر المؤمن منه، فإذا أقر المؤمن له بعدم سبق إصابته بمرض معين مع ثبوت إصابته به وعلمه بذلك، فإن هذا الإقرار من شأنه أن ينتقص من تقدير الشركة المؤمنة لجسامة الخطر المؤمن منه، ومن ثم فإنه يجب إعمال الشرط الوارد في عقد التأمين والذي مقتضاه بطلان العقد وسقوط حق المؤمن له في مبلغ التأمين في حال إدلائه ببيانات خاطئة في إقرارته الواردة في طلب التأمين والتي أبرم عقد التأمين على أساسها، وهو شرط جائز قانونا وواجب الإعمال حتى ولو لم يكن للبيان الكاذب دخل في وقوع الخطر المؤمن منه.
ولا يبرأ المؤمن له من هذه المخالفة القول إن هذا المرض ليس مما يخشى منه سوء العاقبة، وإنه كان مرضا عارضا أو القول إنه قد شفي منه وقت إبرام عقد التأمين، إذ إن ذلك - بفرض صحته – لا يعفي المؤمن له من واجب ذكر هذا المرض في إقرارته الواردة في طلب التأمين مادام أن ذلك كان محل سؤال محدد مكتوب.