+A
A-

ذكريات الزمن الجميلة مكدسة على الأرفف

“أقضي وقتي غالباً بهذا المكان، وفي أجواء جميلة خالية من الحروب والخلافات والمناوشات، أسترجع أيام الزمن الجميل، أيام لم تعيشوها، ومن عاشها لن ينساها أبداً”. بهذه الجملة الجميلة بدأ صالح الحسن حديثه معي عن مشواره الطويل في تأسيس متحفه الجميل، والذي خصص له مساحة واسعة من بيته في قرية عراد بالمحرق الشماء.

والمتحف استثنائي بكل ما تحمل الكلمة، منظم بشكل كبير، ومكدس بعشرات الآلاف من القطع النادرة والجميلة توثق حقب مختلفة من الزمن الجميل، ومندوب “البلاد” أجرى هذا الحديث الشيق بمتحف الحسن خلال جولة.

بداية الجمال

يقول الحسن في بداية الجولة بمتحفه “البدايات كانت في 1963 حين كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، وكانت الهواية المنتشرة حينها المراسلة وجمع الطوابع والصور، وأضيفت إليها فيما بعد جمع صور المناظر الطبيعية، وبدأت المراسلة لعدد من الأصدقاء في الإمارات ومصر والسعودية، وكنت أحرص على تجميع الطوابع والصور والتي لا أزال احتفظ بها حتى اللحظة”.

وبعد أن تبدلت العملة المستخدمة من الهندية للبحرينية في 1965، خلف ذلك كما كبيرا من العملات المعدنية، والتي أصبحت خارج التدوال، فبدأت تجميع أعدادا كبيرة منها في علب زجاجية، وتطورت هواية تجميع العملات لدى مع مرور الوقت، فاتجهت لتجميع أنواع مختلفة من العملات الورقية، وكنت أزور المرحوم حسن هلال في سوق المنامة، حيث كنت أشتري منه أنواع مختلفة من العملات، وأحياناً كنت أشتريها من الأصدقاء والمعارف.

مقتنيات نادرة:

وعليه، فلدي اليوم مجموعة نادرة من العملات القديمة جداً، والتي تحصلت عليها في مشوار رحلتي بجمع العملات، منها عملات للدولة العباسية، والأموية، والفاطمية، وكذلك عملات البحرين منذ التأسيس الأول للدولة، ولعدد كبير من الدول الخليجية والعربية والآسيوية.

في العام 1981 بدأت الهواية تكبر لديَّ، حيث خصصت غرفة كاملة للمقتنيات القديمة، وكنت أحرص على الذهاب لسوق (الحراج) بالمنامة، وكان هنالك الباعة يبيعون المقتنيات القديمة والمستعملة سواء على الفرشات أو بخيام صغيرة، وكنت أشتري أي شيء قديم يعجبني، وواكب تلك الفترة انضمامي لجمعية البحرين لهواية الطوابع.

واستمررت مع مرور الأعوام في جمع الطوابع السلمية من الخدوش أو الأختام أو التلف، وكذلك التنويع في جمع المقتنيات، والتي تكاثرت مع الوقت وولدت لدي فكرة تأسيس متحف خاص بي، والذي تطور مع الزمن إلى المتحف الحالي الذي تراه أمامك، بعد أن فاضت كم الأغراض لدي بغرفتي السابقة بمنزل والدي.

وحين تقاعدت في العام 2014 سخرت أموال التقاعد كاملة لإثراء متحفي بقطع جديدة، وأضفت إلى هذه المبالغ مبالغ أخرى كانت لدي، وكلفني بالمجموع قرابة الخمسة وعشرين ألف دينار.

وعندما أسست المتحف الحالي، اضطررت لأن أزيح المزروعات كاملة، وأقفاص كبيرة من الحمام والطيور، وتبلغ مساحة المتحف نحو 64 فوت بالطول، و14 بالعرض، وتبلغ عدد المعروضات في المتحف قرابة الخمسين ألف قطعة، تعكس 41 هواية لدي.

القطعة الأهم

وعن أغلى وأنفس القطع، قال الحسن “أغلى قطعة بمتحفي هي من كسوة الكعبة وتحمل دعاء (يا رحمن يا رحيم)، وهي هدية من الأخ المحامي حسن بديوي، والذي رأى أن أفضل مكان لها أن تكون بمتحفي؛ حتى لا تتعرض للتلف أو للإهمال، ولقد عرض عليَّ بها مؤخراً مبلغ 7500 دينار ولم أبعها ولن، ولقد حرصت أن أضع ملصقا صغيرا أسفل اللوحة مكتوب به بأنها إهداء من المحامي حسن بديوي، وهو أمر أكرره مع كل قطعة تهدى إليَّ كتقدير مني لمن يهديني”.

وفي أثناء الجولة في متحف صالح الحسن، عرض الحسن لمندوب الصحيفة صندوق خشبي قديم موجود بأحد زواياه قائلاً: “هذا هو الصندوق الخاص بالاقتراع للمجلس التأسيسي في البحرين العام 1973 وبالمفتاح الخاص به، وهو واحد من أثنين فقط، والثاني كان لديَّ أيضاً ولقد أهديته قبل أعوام لمجلس الشورى”.

وأشار الحسن لعدد من البطاقات الموجودة فوق الصندوق بقوله “هذه البطاقات الأصلية للتصويت حينها، منها لانتخابات المجلس الوطني، ومنها للتصويت على الدستور في ذلك الوقت”.

زوايا استثنائية

ومن المعروضات المميزة في المتحف، زاوية خصصت للكاميرات القديمة، أقدمها كاميرا عمرها قرابة التسعين عاماً، وزاوية أخرى للتلفونات الأرضية والنقالة القديمة ومراحل تطورها عالمياً وفي السوق المحلية، وبعدد 200 تلفون تقريباً.

وفي المتحف زاوية مخصصة للبريد، وتوضح بمقتنياتها مراحل تطور البريد في البحرين حتى اليوم، بصور وملصقات وطوابع وظروف نادرة.

وأوضح الحسن على هامش الجولة في المتحف بأنه أصبح مقصداً سياحياً من الدرجة الأولى، سواء لمواطنين، أو للخليجيين، أو حتى للسياح الأجانب، مضيفاً “عرض عليَّ تاجر خليجي شراء المتحف كاملاً وبمبلغ ربع مليون دينار، لكنني رفضت؛ لأن هذا تراث لا يمكن أن أفرط به، ووجود هذا المبلغ بحسابي بالبنك لا يعني لي شيئاً”.

وعن أكثر القطع التي تثير الزوار قال “الجوازات القديمة، العملات القديمة، الانيتكات، والطوابع، ولديَّ جواز بحريني قديم جداً عرض علي به مبالغ كثيرة ولم أبعه، ومكتوب عليه (حكومة جزيرة البحرين وتوابعها)”.

ولدى الحسن ملف كامل عن فلسطين، ويشمل مراسلات رسمية، ووثائق حكومية، وصور، وطوابع رسمية، معلقاً “كلها دلالات على أن فلسطين المستقلة كانت موجودة، وليس كما يروج لها إسرائيليا اليوم”.

ومن النوادر الموجودة في المتحف مراسلات أصلية ما بين ناظر مدرسة في أحد الأرياف المصرية مع الرئيس السابق جمال عبدالناصر يهنئه على توحيد مصر مع سوريا، وفي المقابل الخطاب الرسمي لعبدالناصر نفسه لهذا الناظر مذيلة بصورة له، وعليه توقيع عبدالناصر الأصلي.

ولاحظنا أن بالمتحف زاوية خاصة لزمان الغوص، وبه الأدوات الأصلية كاملة للغواص الذي يغوص لصيد اللؤلؤ، وكذلك مجموعة من الصناديق الخشبية الأصلية العتيقة التي تحتضن هذه الأدوات، ومعها ميزان قديم خاص لوزن اللؤلؤ، وكذلك كتاب (اللآلئ) والذي يحدد من خلاله أسعار اللؤلؤ وفقاً لحجمها ولونها ونقائها.

عالم لا متناهٍ

ويحتوي المعرض أيضاً على الآلاف القطع من الساعات القديمة، والأوسمة العسكرية، وهدايا الحج قديماً، وتذاكر السينما القديمة، والكتيبات، وكذلك المجلات القديمة منها أعداد نادرة جداً لمجلة العربي وغيرها، ويوجد أيضاً عدد من الصور النادرة لمواقع مختلفة من البحرين، وصور القادة، والقارورات الزجاجية للمشروبات الغازية القديمة، والألعاب، ويوجد أيضاً آلة طابعة قديمة جداً بحالة ممتازة، وهي من إهداء الشيخ صلاح الجودر. ومن الزوايا الجميلة في المتحف، محل خشبي كامل مغلق، حين تفتحه ستجد به معروضات البقالة قديماً كاملة كما هي، وهناك أيضاً باب بغدادي خشبي قديم، وأشرطة كاسيت قديمة، وأشرطة فيديو أيضاً، وغطاء سرير نادر مطرز يدوياً، وعليه صور لأم كلثوم.