العدد 2925
الإثنين 17 أكتوبر 2016
banner
قوارب النجاة وأشرعتها
الإثنين 17 أكتوبر 2016

حدثان متقاربان زمنياً كل عام، ودائماً يتركان في نفسي أسئلة لا تكفّ الطرق، هما:الحج وعاشوراء، فالكثير من العائدين من الحج في المواسم الماضية، ومنهم من خبر الحج لسنوات، يرى أن هناك تغيرات في الفتاوى التي تميل إلى التيسير، والتبسيط الذي يراه البعض نوعاً من التفريط، والذي ينتفي معه الشعور بالتعب والنَّصَب، فالبعض يروح ويرجع ولا يشعر أنه أدى المناسك كما كان يسمع عنها قبلاً، ولا يستشعر أنه أدّى هذا الركن بحقّه، فالآية تقول “لمن استطاع إليه سبيلاً”، ومن دون الجانب المادي؛ فإن السبيل أكثر تيسيراً مما قد يتخيله الذاهبون، وخصوصاً للمرة الأولى. هناك تكرار في القول من قبل البعض إنهم يشعرون أن أمراً ينقصهم مع هذه الفتاوى الميسِّرة.
الحديث عن الحج لا يتعلق بالإجراءات والمرافق والتيسيرات التي اتخذتها الحكومة السعودية مشكورة في المشاعر، ولكن في نوعية من الفتاوى والمصطلحات التي غزت ثقافة اليوم، وكأنها تتساوق مع نوعية الحياة الجديدة، من مثل “حجّ اكسبرس” و”حج خمس نجوم”، كما هو الحال في نوعيات الزيجات التي راجت أسماؤها في حيّز من الفرقعات الإعلامية المشطّرة للمجتمعات الإسلامية، ليطول الجدل والتعليقات والتهكمات.
بعد شهر بالتمام، وبدءاً من غرّة محرم من كل عام، يبدأ الجدل يتزايد على بعض  مظاهر عاشوراء، كالتطبير واتخاذ مظاهر فيها من المبالغات التي تنتقدها شريحة واسعة جداً من داخل المذهب الجعفري ذاته، وتطالب بالعودة إلى جوهر المناسبة، من دون هذا التشدد والاستعراض الذي يثير – هو أيضاً – الجدل، ويفتحه على أوسع أبوابه، ويستفزّ الفتاوى لكي تمنع إيذاء النفس، ولكن يبدو أن “اللوم إغراء”، إذ يبالغ المنتقدون في مضيّهم فيما هم فيه سائرون، معلنين – بشكل ضمني – أنهم اختطّوا في “الشعائر الحسينية” ما لا رجعة لهم فيه، حتى تغدو كل سنة أعقد من التي ولّت، ويجري السكوت في الغالب عن هذه الممارسات من قبل رافضيها، حتى السنة التي تليها، فيبدأ الحديث مجدداً في عشرة أيام عمّا تم تركه في 355 يوماً.
كمشة الأسئلة التي تثور وتبرز مع الموسمين: ما الذي تغيّر فينا إلى هذا الحد؟ ما الذي أطفأ هالة الارتياح والطمأنينة من وجه المتدينين المتعمقين في الدين واستبدلها بنفسيات أقرب ما تكون إلى العدائية في أحيان ليست قليلة، مع رفض للتعدد والتنوع والاختلاف؟ من الذي حوّل “إيمان العجائز” الأٌقرب إلى الفطرة إلى إيمان الرياضيات والفيزياء القائم على حساب بشري للحسنات والسيئات، وتقسيم البشر بين المستحقين لعذاب النار وبئس القرار، والذين سيتقلبون في جنات عرضها السماوات والأرض؟ من يقف وراء الجلبة التي تثار بين حين وحين بحسب فتاوى لا تريد للمجتمع أن لا يكون متوتر الأعصاب، هشّاً قابلاً للعطب؟ من الذي زرع التوجّس والتنائي؟ من المستفيد؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .