العدد 2774
الخميس 19 مايو 2016
banner
كيف نفهم صعود ترامب أميركياً؟ (1)
الخميس 19 مايو 2016

وسط الجدل الأميركي والعالمي حول الصعود السياسي اللافت للمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، هناك نقاط غائبة في خضم التركيز الشديد على اتجاهات وآراء رجال الأعمال الساعين إلى كرسي الرئاسة الأميركية، ومن أبرز هذه النقاط ما يتعلق بما وراء هذه الاتجاهات وهل تعبر عن ظاهرة عابرة في السياسة الأميركية أم تعكس عودة إلى نهج الانعزالية Isolationism المتجذر في التاريخ الأميركي؟ ومن هذه النقاط أيضاً ما يتعلق بمستقبل ظاهرة العولمة والقيم الثقافية الأميركية التي انعكست في “المكدلة” و”الكوكلة” وغير ذلك من توجهات استهدفت “قولبة” الثقافة العالمية، ونمذجتها و”أمركتها”، ثم كيف نفهم ظاهرة الصعود السياسي للمرشح الجمهوري دونالد ترامب على خلاف غالبية التوقعات، التي اعتبرته بمنزلة “مهرج سياسي” في بدايات الحملة الانتخابية؟
شخصياً، أستغرب كثيراً ممن يرون أن آراء ترامب صادمة ومعاكسة للسياسة الخارجية الأميركية السائدة منذ عقود مضت، رغم أن البعض من هؤلاء اتهم الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بالأمس القريب بانتهاج سياسة انسحابية في سوريا ومنطقة الخليج العربي، وهو اتهام لا يجافي الواقع ولا يخاصمه، ولكنه يعني أن الصراع بين فكرتي الانخراط والانعزال قائم ومحتدم بين صانعي السياسة الخارجية الأميركية السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ حربي أفغانستان والعراق، وما تسببتا من خسائر اقتصادية وبشرية للولايات المتحدة الأميركية، كما يتجاهل أصحاب هذا الرأي أيضاً أن ترامب لم يكن وحده في حلبة الجدل حول مستقبل السياسات الأميركية، فهناك كان أيضاً المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، الذي يتوقع أن يختار نائباً للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في السباق الشرس نحو البيت الأبيض، وذلك بعد تراجع فرص فوزه بترشح الحزب الديمقراطي في مواجهة كلينتون، وتلميحه مؤخراً إلى إمكانية قبوله الترشح على ورقة نائب الرئيس في حال تم اختياره من جانب المرشحة الديمقراطية الأكثر حظاً للفوز.
ساندرز رغم تنافره التام مع توجهات ترامب الاقتصادية، فهو النسخة الديمقراطية من ترامب على صعيد السياسة الخارجية، بحسب ما تشير آراؤه وتوجهاته السياسية ولكن مع اختلاف نمط التفكير وحدة التعبير عن الأفكار، فهو يصنف نفسه باعتباره اشتراكياً ديمقراطياً في دولة رأسمالية، بل قلعة الرأسمالية، التي طالما خاضت الصراعات الباردة التي انتهت بإسقاط الأنظمة الاشتراكية والشيوعية خلال القرن الماضي، فآراء ساندرز معاكسة تماماً للتوجه النيوليبرالي الأميركي، الذي بدأ مع فترة رئاسة ريجان في الثمانينيات، حيث الحد من دور الحكومات في السيطرة على الأسواق، وتشجيع فكرة تحرير السوق وتشجيع المنافسة، وهو ما يعتقد الكثير من الخبراء أنه انتهى إلى الأزمة المالية في عام 2008. وعلى صعيد السياسة الخارجية نجد أن ساندرز يغلّب نهج الحكمة على الخبرة، وهو يتبني مواقف إدارة أوباما ويدافع عنها بقوة، فهو معارض شرس للحروب ويعتبر القوة المسلحة خيارًا ثانيًا في جميع الحالات تقريبًا. ورغم أن ساندرز لم يعد متصدراً للسباق الانتخابي الرئاسي كمرشح ديمقراطي، فإن أفكاره سيتردد صداها في دوائر النقاش السياسي الأميركي خلال السنوات المقبلة، لاسيما إذا اختير نائبا لهيلاري كلينتون، فضلا عن أن تأييده من جانب شريحة كبيرة من شباب الديمقراطيين يلفت الانتباه إلى جوانب مهمة من أنماط التفكير الأميركية السائدة حالياً. والمؤكد أن هناك تغيرات جارية وبشكل متسارع في التوجهات الأميركية على المستويات الاقتصادية والسياسية، فهناك ميل متزايد إلى الاقتداء بالنموذج الاسكندنافي الاقتصادي، حيث الجمع بين الاشتراكية والنيوليبرالية، والحد من توحش الرأسمالية وتغولها. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية