العدد 1381
الخميس 26 يوليو 2012
banner
رحيل عمر سليمان
الجمعة 03 مايو 2024

لم نكن نتخيل هذا الرحيل المفاجئ للواء عمر سليمان رئيس جهاز الاستخبارات المصري السابق الذي عينه الرئيس حسني مبارك نائبا له عند احتدام أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير.
ولقد حزنت فعلا لرحيل هذا الرجل الذي كانت له كاريزما وجاذبية خاصة، رغم وجهه الصارم الجاد الذي لا يعبر عن ما بداخله.
لا أستطيع أن أقدم تفسيرا علميا محددا ومقنعا لاحترامي لهذا الرجل، ولكن ربما كان هذا الاحترام ناتجا في جزء منه عن الصورة الوطنية الرائعة لجهاز المخابرات المصرية وما عرفناه عنه من بطولات وتفان في حب مصر منذ صغري، ومن خلال متابعتي للأعمال الفنية المصرية التي عكست بطولات رجاله وعلمتني أبعادا كثيرة للوطنية وعلمتني كيف أعشق تراب البحرين.
لقد كان من بين أحلامي أن أجلس يوما أمام هذا الرجل وأجري معه حوارا صحافيا، ولكن المستشار الإعلامي المصري في السفارة المصرية، جابر حيدر، عندما طلبت منه أن يساعدني في ذلك، قال إن الرجل لا يتحدث إلى وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من المحاولات الدؤوبة التي حاولت النيل من هذا الرجل وتاريخه، خاصة من قبل الجماعات الدينية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمين، إلا أنني حافظت على احترامي لشخصه وشخصيته التي تجعلك تشعر بالقوة وتشعر بالاطمئنان، وقلت لنفسي ليس كل من عمل في ظل نظام أسقطه الشعب إنسان سيء وأن الأصل في الأمور أن يحاسب كل إنسان على ما اقترفت يداه، وأننا نخرج للحساب أمام الله فرادى، (يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه).
الفاسدون تمت محاكمتهم وحبسهم ولم يمنع أحد منصبه السابق من المثول أمام المحكمة ودخول السجن، ولكن الرجل لم يصدر بحقه أي اتهام، فلماذا يسعون ظلما لتشويهه؟
لو كان أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين مثلا قد طلب منه تولي منصب وزير الدفاع أو وزير الزراعة أو التعليم، أو وكيل وزارة كذا أو كذا، هل كان سيرفض هذا المنصب في ظل نظام مبارك؟
أنا لن أصدق إذا قال أحد إنه كان سيرفض هذا المنصب، وبالتالي لا مجال لاتهام الناس لمجرد أنهم خدموا في ظل نظام أسقطه شعبه.
وهناك سؤال لم يسأله أحد، وهو: لماذا لم يقم الرئيس مبارك طوال سنوات طويلة بتعيين عمر سليمان نائبا له ثم قام بتعيينه في هذه اللحظات الحرجة؟ قد يقول قائل لأن مبارك كان يسعى لتوريث نجله وأن تعيين نائب له قد يؤثر عند لحظة ما على إتمام خطة التوريث، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن تعيين سليمان بالذات في وقت الخطر الذي كان يتعرض له نظام مبارك معناه أن مبارك أراد أن يستفيد من شعبية الرجل وحب الناس له في تهدئة الشارع، ولكن الموجة كانت قد ارتفعت ولا سبيل لإيقافها.
إن أشد ما آلمني في مشهد رحيل سليمان إلى مثواه الأخير أنني لم أر رئيس جمهورية مصر العربية الدكتور محمد مرسي في مقدمة هذا الحشد من الشخصيات المصرية والعربية من مودعي هذا الرجل صاحب التاريخ المشرف الذي حارب من أجل مصر في صفوف القوات المسلحة، وحارب من أجل مصر وهو رئيسا لجهاز أمن وطني وشريف، جهاز وقف بالمرصاد خلال الثورة لكل من حاول دفع مصر إلى الجحيم، ولعب دورا كبيرا في حماية الثورة نفسها وما ترتب على ذلك من انتخابات ومؤسسات.
رحم الله اللواء عمر سليمان، “وكل ابن أنثى، وإن طالت سلامته.. يوما على آلة حدباء محمول”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .