أشرس أنواع السرطان يهاجم فتاة بعمر 17 عاما
إعداد: حسن فضل
الحوار مع محاربي السرطان حديث غني بالتجربة، وهو كل ما تحتاجه النفوس المتعبة من جرعات أمل وتحد وإيجابية، ونواصل توثيق تجارب المتعافين، كنحلة تنتقل من زهرة إلى زهرة؛ لنقدم خلاصة تجاربهم الثرية بكل ما هو إيجابي.
بطلتنا اليوم محاربة من نوع آخر، شاءت الأقدار أن تواجه أشرس أنواع السرطان وأندرها، وهو الساركوما إيوينج. وهو نوع نادر من السرطان يحدث في العظام أو في الأنسجة الرخوة حول العظام، وغالبًا ما يبدأ في عظام الساق والحوض، وهو من أنواع السرطان القابلة للانتشار (المتنقل). فيمكنه الانتشار إلى أماكن أخرى كالرئتين وسائر أنواع العظام، ما يجعل العلاج والتعافي منه أمرًا شديد الصعوبة.
تجلت بطولة بتول السيد شبر في مواجهة هذا النوع النادر والشرس لتتغلب على كل الظروف، وتتمسك بالقدر القليل من أمل الشفاء وتواصل النضال دون استسلام على الرغم من ظروف العلاج الصعبة، وتدخل في صراع حقيقي بين الحياة والموت، صراع من أجل البقاء، فعاشت لحظات يأس عارمة، وهاجس الفقد والموت كان يلاحقها، حتى استعاد الأمل عنفوانه وبدد كل أسراب اليأس، فانتصرت إرادة الحياة على كل ظروف المرض الاستثنائية ولحظات العلاج الكيماوي المرهقة التي لا يعرف صعوبتها وقسوتها إلا مرضى السرطان. بتول السيد شبر انضمت لقافلة المتعافين من السرطان، كعودة المحارب المنتصر، عادت لتستعيد خطواتها وتكمل طريقها في الحياة، فقد أكملت الدراسة الثانوية وحصلت على شهادة البكالوريوس بتخصص الموارد البشرية، وتزوجت وأنجبت طفلين جميلين. وكان «لصحتنا» هذا اللقاء معها؛ لتروي لنا كيف هزمت أشرس أنواع السرطان.
كيف كانت حياتك قبل الإصابة بالسرطان؟
كانت حياتي منتظمة وطبيعية وصحية جدًا، كنت مهتمة بقراءة الروايات والكتب وأمارس الرياضة التي منها كرة السلة، وكنت متفوقة في الدراسة، ولكن القدرة الإلهية تفوق كل ذلك والحمد لله دائمًا وأبدا.
متى أصبت بالمرض وكيف تم تشخيصه وما نوعه؟
أصبت به منذ فترة طويلة، ولكن تم تشخيصه بوقت متأخر إلى أن وصل المرحلة الرابعة في سنة 2012 على يد الاختصاصي والاستشاري طبيب العظام د. فريد سلوم، وكان نوعه واسمه ساركوما إيوينغ، وأصابني في عظم ركبتي اليسرى. ولقد شخص الطبيب المرض في عمر 17 سنة ولكنه يرجح أن الإصابة قد تكون في عمر 16 سنة.
كيف تلقيت خبر الإصابة وماذا تبادر إلى ذهنك في البداية؟
كنت طفلة ولا أعي ما هو السرطان، وأختي الكبيرة هي من عرفتني وشرحت المرض بطريقة بسيطة جدًا، لأفهم طريقة علاجه بأنه أقوى من حبة المسكن بأضعاف المرات، وبأنه سيشفيني كحال أي مرض آخر، ولكن الذي راود ذهني وعقلي المتعب أنني سأموت من بعد هذا المرض.
كيف استقبل الأهل خبر الإصابة؟
كان وقع الخبر بمثابة فاجعة كبيرة بالنسبة للأهل؛ لأنني كنت الأولى والوحيدة في العائلة التي تصاب بمرض السرطان، ولا يوجد تاريخ في عائلتي بوجود هذا المرض، والدتي في كل صلاة كانت تبكي كثيرًا بحرقة وألم، وإخوتي وأخواتي يبكون في غيابي عندما يتجمعون، وأنا كنت أسمع هذا وأنا في غرفتي.
ما خيارات العلاج التي كانت مطروحة وما نسبة الشفاء من المرض؟
لم يكن لدي خيار آخر، فإن لم أتعالج فورًا سينتشر في جسمي عموما وأفارق الحياة، وإن أخذت جرعات الكيماوي من دون العملية أيضًا سأخسر رجلي بأكملها، نسبة الشفاء كانت ضعيفة جدًا، ومدة العلاج طويلة جدًا والأدوية قوية على جسمي.
كيف كانت ظروف العلاج؟
بدأت علاجي في البحرين بثلاث جرعات كيماوي على يد د. فريد خليفة، ولكن بمجرد وصولي إلى الخارج تم تشخيصي مرة أخرى بمسمى ثان وعلاج آخر، حيث كان نوع الساركوما مختلفا ويحتاج بروتوكول علاج آخر، واتضح أن الورم ازداد ووصل لعظم الفخذ، ازداد الأمر سوءًا بالنسبة لنفسيتي ونفسية أهلي، كوني كنت صغيرة وعمري لا يتجاوز 17 سنة، وتم تدارك الأمر وتزويدي بجرعة كيماوي في مستشفى بسنغافورة وتحسن الوضع. وتم إجراء عملية استبدال عظم من الركبة إلى الفخذ وتم وضع الحديد كخيار بديل.
كيف أثر السرطان على حياتك الأسرية والاجتماعية؟
تعرفت على أشخاص كثيرين، وكان الأهل والمقربون من المبادرين بالسؤال عني والاطمئنان على صحتي، وهناك أشخاص أيضًا لا أعرفهم يبتهلون بالدعاء لي، وكسبت أصدقاء جدد، كانوا وما زالوا لطيفين جدًا معي ومرحين، هذا بالطبع أثر على نفسيتي وتقبلي للعلاج بشكل أسرع وأسهل مع حياة شبه طبيعية وسعيدة. كنت أنهزم من عبارات ونظارات الشفقة أينما ذهب، بسبب تأثير العملية في طريقة المشي، وكانت نظرات الشفقة قاتلة جدًا.
كيف كانت حياتك بعد التعافي من المرض؟
حياتي بعد التعافي أفضل من السابق بكثير من كل النواحي، تزوجت وأنجبت طفلين ملآ حياتي سعادة وفرحا، ونسيت كل همومي وأحزاني منذ أن أنجبتهما، أتممت دراستي الثانوية والجامعية بنجاح وتفوق، وأصبحت امرأة معتزة بنفسها ولا أبدي لأي شخص أن لدي عيبا أو تشوها بعد العملية.
ماذا أخذ منك السرطان وماذا أضاف لك؟
السرطان أخذ مني بألم عظم رجلي اليسرى واستبداله بالحديد مدى الحياة، ولكنه أعطاني أملا بأن الحياة منصفة وعادلة للذين هم بالله مؤمنون وبالقضاء والقدر صابرون، والحياة ما هي إلا محطة قطار، نتوقف فيها لنستريح ونكمل مشوارنا في قطار آخر، وأضاف المرض لشخصيتي النضوج والإيمان بقضاء الله وقدره في جميع الأحوال. وأضاف أيضًا لي قوة التحمل.
هل تشعرين بخوف وقلق من عودة المرض مجددًا؟
ما هو مكتوب لي ومقدر من ربي فأنا راضية تماما فيه والحمد لله رب العالمين.
كيف تخطيت مرحلة الإصابة، وما العوامل التي أسهمت في تجاوز هذه المحنة؟
تخطيتها بدعوات أمي المستديمة، وغرز الإيمان والتفاؤل في قلبي، ووجود الأهل ودعمهم، وتعرفي على أصدقاء محاربي سرطان جدد، منحوني الأمل في الحياة وعدم الاستسلام، وبعضهم انتقل إلى رحمة الله، وأستذكر هنا بشاير ومحمود ويحيى، بسبب أن السرطان أصابهم أكثر من مرة وهم كانوا متشبثين بالحياة ولطيفين ويحملون كمية طهارة عالية ومنحوني القوة والتشبث في الحياة.
هل شعرت بلحظات ضعف في مسيرتك وكيف تجاوزت هذا الشعور؟
طبعًا، مسيرتي كانت طويلة، فالمرض والصراع كان بين الحياة والموت، فكان نوع السرطان سريع الانتشار، وكانت هناك لحظات ضعف كثيرة معبأة بيأس لحظي بأنني لن أستفيد من العلاج، وأنني سأفارق الحياة في غربة وبعيدة عن دياري، ولولا رحمة الله ومن ثم دعم والدتي النفسي والمعنوي وغرس الإيمان والصبر على القضاء والقدر، لكنت الآن لا أعلم ما هو مصيري، فالحمد لله على وجود والدي واحتوائهم لي.
بعد العملية كان شعوري شعور العجز والاستسلام، إذ كنت لا أستطيع الحركة، وطريقة المشي غير طبيعية، كنت أشعر أنه لا داعي للحياة. وبعد أن بدأت الحركة، استعدت الأمل في الحياة ومضيت.
ولحظات الضعف الأخرى هي بعد كل جرعة كيماوي، وكنت أشعر كأنني دخلت في فوهة الموت، وأخرج مجددًا منها إلى الحياة.
هل انضممت إلى جمعيات دعم مرضى السرطان وماذا أضافت لك؟
نعم انضممت في سنة 2014 إلى جمعية أمنية الطفل، وكان لديها مهرجان دعم أمنيات الأطفال، وقد أضاف لي الفرحة والسعادة والدعم المعنوي العالي، وتعلمت منها عدم الاستسلام؛ لأنني كنت أشاهد مستويات الأعمار وإحصاءات لأطفال مصابين بالسرطان ونجوا منه، وكان هذا يضخ كميات هائلة جدًا من الأمل، والطفل المصاب بالسرطان يشعر بسعادة بالغة جدًا لا يدركها الآخرون، فبمجرد زيارة في المستشفى وتقديم هدية بسيطة يكون لها أثر معنوي كبير.
ما رسالتك لمرضى السرطان وللعالم؟
رسالتي هي ألا يفقدوا أبدًا الثقة برب العالمين، فلولا رحمة ربنا على العباد لكان حالنا من سيئ إلى أسوأ، فالحمد لله رب العالمين دائمًا وأبدًا. المرض لا يقتل النفس، وإنما هي حسبة الأيام والعمر المكتوب، لربما يكون المرض سببا ولكن تعددت الأسباب والموت واحد. المرض مجرد وسيلة وامتحان من رب العالمين ويقيس مدى إيماننا وصبرنا، ولو كان الأمل ضئيلا جدًا تمسكوا به.