12 عاما من التوحد وما زال الشمعة التي تضيء حياة والدته
قبل 12 عاما وتحديدا بشهر يناير، كنت على موعد لاستقبل طفلي الأولى وملاكي محمد. كانت سنوات انتظاره الخمس أشبه بالحلم، وانتظار أيام ولادته الخمسة كبندول متأرجح، وكأني امراة خلقت من أجل الانتظار، كانت ملامحه أملي الكبير وتشخيصه كان الطامة الكبرى، ذلك التقرير الذي خلف التغيير الكبير في حياة ابني البالغ 3 سنوات، الظلام الذي وأدت فيه أحلامي كأي أم، وانطفت لتحرمها من كلمة ماما.
حزمت امتعتي لنبدأ تلك الرحلة، يرافقني دمعي وتنهيداتي وأمنياتي، فلم يكن انقطاع تلك الأحرف والكلمات البسيطة العرض الوحيد الذي لازمه في عمر العامين، بل صاحب ذلك انقطاع تواصله عن العالم أجمع، وامتد ليشمل رغبته في الطعام واحتضانه لي.
مراحل كثيرة مررنا بها، بعضها مفرح، ومضحك، ومبكٍ، وكل مرحلة كانت علامة فارقة، قد لا نتذكرها بحذافيرها، وقد نتصور أن البداية هي الأصعب، ولكن قد نصل لمرحلة لا يمكننا فيها التراجع أو التقدم. كان العثور على مركز لتدريب طفلي الصغير أشبه بالمعجزة آنذاك، ودفع رسومه هي العقبة الأكبر، فلم يكن من حل إلا الاقتراض والتشبث بالأمل مهما كان، ومراحل تبعتها من التدريب على مضع الأكل، ومهارات الحياة اليومية ومسك القلم والتلويح باليد، ثم المرحلة الأصعب وهي التعود على استخدام الحمام وترك الحفاض. كان كل ذلك بالتعاون والتفاهم والاحتواء، وحتى نظرة المجتمع بالإمكان تجاوزها والكلام الجارح الذي ملخص محتواه أنه ماذا ما بعد تلك الخسائر لطفل لا يمكنه حتى الكلام؟
ربما لا نعي أن أطفال التوحد بإمكانهم إدراك كل المشاعر السلبية التي تحيط بهم، فالخلافات الأسرية بإمكانها إيصال الطفل مهما كان تقدمه لحافة الانهيار، كذلك كان محمد، فبعد التطور الجميل رغم عدم إتقانه للكلمات تراجع، وكأنه سقط إلى الهاوية، فالطلاق والفراق وتغير الحيز الذي تعود عليه لسنوات، جعله طفلا آخر لا يهدأ إلا بدواء للأعصاب كان يتسبب له بالنعاس والتبول فور تناوله .
تلك التبعات وعلاجها كانت مؤلمة، فقد تجازف بترك شيء ولكن في المقابل أن تجد علاجا آخر، فقبلت التحدي مع الفروسية والسباحة والرياضة، وكانت تجربة مثمرة.
لم تكن تلك المراحل قاسية بقدر مرحلة انتزاع حضانة ابني وعدم رؤيته لفترة من الزمن، كانت تلك النكبة الكبرى لكلينا، أتمنى أن يتم استثناء الأطفال من ذوي التوحد من الأحكام العامة، فمن يكمل عامه السابع يتم نقل حضانته لوالده حتى قبل الانتهاء من الطلاق، دون البحث وراء المقدرة على رعايته.
وها نحن نرى بعضنا بعد أشهر في مركز اجتماعي وقد لا تكتمل الزيارة لأسباب عدة. وفي النهاية أتمنى حياة أفضل لابني ولكل الأطفال من ذوي التوحد ممن عانوا من علاقات أسرية مفككة.