بقلم مها حمد جعفر
الدجاجات المغامرات
في قريةٍ صغيرةٍ على ضفاف نهر جميل، كانت تسكن أربع دجاجات في حظيرة جميلة يرعاها رجل مسن، يفتح لهن باب الحظيرة كل صباح ويقدم لهن الطعام والماء ويقوم بتنظيف قن الدجاج وجمع البيض، ويعاود إدخالهن إلى الحظيرة عند الظهيرة مراعيًا ألا تصيبهن حرارة الشمس الساطعة، ويعود أدراجه إلى منزله الذي يبعد عنهن بأمتار قليلة.
ذات صباح استيقظ الرجل المسن كعادته وتوجه لرعاية دجاجاته، إلا أنه وجد باب الحظيرة مفتوحًا، والحظيرة خالية من الدجاج! فهرول مسرعًا إلى الجدول المحاذي لمنزله الصغير يتفقدهن، إلا أنه لم يراهن ولم يسمع لهن صوتًا، وظل يبحث طوال النهار من دون أن يجد لهن أثرًا، فعاد أدراجه إلى المنزل حزينًا لفقد دجاجاته الأربع.
لم يكن يعلم هذا الرجل الطيب، بأن الدجاجات الأربع قد قررن أن يهربن من الحظيرة، عندما جاءت الفكرة في رأس إحداهن قائلة: لم يحبسنا هنا في هذا المكان؟ وقالت الأخرى: إن العالم أرحب من مجرد حظيرة! وتناولت الثالثة الحديث قائلة: أخبرني عصفورٌ ذات يوم بأن في طرف هذه القرية تبدأ مدينة كبيرة بها عالم جميل وبديع به الكثير من الدود والثمر. ختمتها الدجاجة الرابعة بقولها: دعونا نهرب من الحظيرة فجر اليوم لنرى الحياة الجديدة.
وصلت الدجاجات إلى المدينة المذكورة وسط تعب وإرهاق وجوع شديد، أخذت دجاجة تتلفت يمينًا يسارًا لعلها تجد ما يسد جوعها، وجدت حبة قمح فأسرعت لالتقاطها وإذا بالدجاجات من خلفها تتعالى أصواتهن: حاذري حاذري.. ارجعي ارجعي! في اللحظة الأخيرة رجعت لتجد بأن سيارة مسرعة كادت أن تصطدم بها! ما هذا الشيء السريع الخاطف؟! قالت الدجاجة، لم نكن نرى مثله في حظيرتنا الوادعة!
قررت الدجاجات أن يذهبن لمكان آخر بحثًا عن الطعام، والجوع قد فتك بهن، وجدن أنفسهن في حديقة مأهولة بالناس، والأطفال يطاردونهن من مكان إلى آخر، ثم قفز أحد الأطفال وأمسك بإحداهن فهربت باقي الدجاجات وجعلن ينظرن إلى صديقتهن بحزن شديد.
أخذ الطفل الدجاجة وتوجه لوالديه اللذين اندهشا لوجود دجاجة في الحديقة، قال الأب: الدجاج لا يتجول في المتنزه، الدجاج يسكن القن، كيف لدجاجة أن تأتي إلى المتنزه، دعونا نأخذها إلى البيت وقد تطهو لنا أمك طبقًا لذيذًا بها.
خافت الدجاجة وبدأت بالصراخ كاكاكاكااااك، وحاولت أن تفلت من قبضة الأب، سمعت صديقاتها الصراخ فجئن يستطلعن الأمر، واتفقن أن يحدثن فوضى لكي تفلت الدجاجة من يد الأب، وبالفعل انشغل الأب بمنظر الدجاجات اللاتي يصرخن ويحدثن الفوضى وفلتت الدجاجة من يده.
ركضت الدجاجات في سرعة بالغة إلى زاوية من زوايا المدينة وقد أنهكهن التعب، وبينما هن يسترحن من عناء هذه الرحلة، قالت إحدى الدجاجات: ليتنا لم نغادر الحظيرة! قالت الأخرى: أنا جائعة لم آكل شيئًا منذ فجر اليوم، صرخت الثالثة اهربن اهربن! ومن دون تفكير ركضت الدجاجات بأسرع ما لديهن من سرعة فقد كان قط كبير الحجم يتربص بهن.
آه رأسي يؤلمني.. فلا طعام ولا مأوى ولا راحة. هكذا عبرت دجاجة من الدجاجات عما تعانيه، فقالت أخرى: دعونا نرجع أدراجنا إلى القرية حيث الرجل المسن الذي يرعانا ويهتم بنا كل يوم مقابل بضع بيضات، وقد كانت هذه فكرة تدور في رأس الدجاجات الأربع التي خجلن أن يقلنها خوفًا من اللوم الذي قد يتلقينه من الأخريات.
مع أفول شمس ذلك اليوم رجعت الدجاجات يجرنّ أذيال التعب والخيبة إلى القن المتواضع، حيث وجدن آنية الماء وبجانبها آنية الطعام، فتراكضن نحوهما في عراك لطيف، وأحدث تسابقهن على الماء والطعام صوتا مسموعا، فخرج الرجل المسن مهرولًا، وابتسم عندما رآهن وتنهد تنهيدة طويلة. لم يكن يعلم ما دار لهن في ذلك الصباح، كل ما اطمأن له هو عودتهن إلى الحظيرة بذات الاطمئنان الذي لدى الدجاجات المغامرات.
همست إحداهن قبل النوم قائلة: "الوطن هو الأمان والدفء"، قالت أخرى: "نعم، الوطن هو المأوى، ولن أفكر مطلقًا أن أبتعد عن القن مرة أخرى"، همهمت الأخريات إشارة إلى موافقتهن على هذا الحديث وغططن جميعهن في نومٍ عميق.