العدد 5684
الثلاثاء 07 مايو 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
قِراءاتٌ نقديّة في وَاقع رِعَاية المَوهوبين (3-6): تصميم البرامج الإثرائيّة بنماذِجها وأساليبِها
الخميس 29 ديسمبر 2022

منَ الطبيعي أنْ تكون البرامج الإثرائيّة مُحددة ومخططة قبل بدء عملية الكشف والتعرُّف، وهي مستوحاة ومتَّصلة بتعريف الموهوبين والأهداف الرئيسة والفرعيّة والفلسفة العامة لخِدمات الرعاية المقرَّرة سلفًا لدى أصحاب القرار في المؤسسة، ومنَ المُفترض أنْ تكونَ الشكل الأساس منْ أشكال رعاية الموهوبين (إضافةً إلى التسريع؛ التجميع؛ والارشاد).
أهداف تربية الموهوبين
بالرجوع إلى الأدبيّات التربوية وما سُطِّر فيها بشأنِ أهداف تربية الموهوبين على المستوى العربي والعالمي، نقف عند ما يلي:
• تطوير الاستعدادات الخاصّة والقدرات الكامنة لمنْ يُبدي تميُّزًا ملحوظاً مقارنة بمنْ هم منْ نفس سنِّه الزمنيّ.
• استثمارُ المواهبِ اليافعةِ وحفزِها؛ لِتكونَ مؤشِّرًا على الملامح الأولى للمِهن المستقبليّة.
• توجيه الاهتمامات غير المنظّمة ذاتيًا وتعميق القيم السلوكيّة وبناء الشخصيّة الإيجابيّة.ث
وحتى تكون البرامج الإثرائيّة فعّالة وذات تأثير إيجابي مُثمر لا بد منْ أنْ تُراعَى في تصميمها وتنفيذها مجموعة منَ العوامل أهمّها: ميول الموهوبين واهتماماتهم الدراسية؛ أساليب التعلم المفضلة لدى الموهوبين؛ محتوى المناهج الدراسية الاعتيادية أو المقررة لعامّة الطلبة؛ طريقة تجميع الموهوبين المستهدفين والوقت المخصص لذلك؛ تأهيل وتدريب المعلمين الذين سيقومون بالتدريس؛ الإمكانات المادية للمؤسسة واستثمار مصادر المجتمع المتاحة؛ وآفاق البرنامج الإثرائي وتتابع مكوّناته وترابطه.
كما إنَّ الحد الفاصل بين أيّ برنامج إثرائي حقيقي وبين مجرد إشغال الموهوبين بمهمات متشابهة لا يبدو في كثير منَ الأحيان واضحاً حتى لأولئك العاملين على تصميم البرامج الإثرائية. ولذلك يجب التفريق بينَ ما يمكن تسميته "برنامجاً إثرائياً" و"منشِطاً إثرائياً". ومنَ المؤسف بأنَّ معظم ما يعرض تحت مظلة "برامج الإثراء" ليس سوى مناشِط مجزأة تأخذ صورًا عدة ولم تكنْ في الأصل موجهة لفئة الموهوبين، وقد تقتصر على مادة دراسية منْ دونِ أخرى أو على مستوى دراسي دونَ آخر. بمعنى أنها لا تتصف بالتتابع ووضوح الرؤية والتوجه الشمولي وبُعد النظر. ومنَ الأمثلة على الأساليبِ التي يُمكنُ أنْ تتضمَّن في البرامجَ الإثرائية التي تَردُ في المَراجع المتخصصة نجد ما يلي: النوادي العلمية والأدبية والفنـية المدرسية، برامج تبادل الطلبة، مشروعات خدمة البيئة المحلية والمجتمع، الدراسة الفردية ومشروعات البحث، المشاغل التدريبية والندوات، برامج التلمذة والتدريب المهني الميداني، برامج التربية القيادية والمناظرات، نشاطات الدراما والمسرح والموسيقى، قاعات المصادر والمشاغل المجهزة لتسهيل التعلم وممارسة الهوايات، دراسة اللغات الأجنبية، دراسة مقررات لتنمية التفكير والإبداع، برامج التعليم المحوسب، والمخيمات الصيفية.
وفيما يلي نستعرض بعضًا مما ورد في وثيقة معايير الرابطة الوطنية الأمريكية للأطفال الموهوبين (NAGC, 2019)؛ لقراءة تحليلية منصِفة حيثُ تناولتْ مخرجات الموهوبين المرتبطة بمحور المنهج الدراسي وطرائق التدريس، وهي:
• تخطيط المنهج الدراسي: يبرز الموهوبون النمو الأكاديمي الذي يتناسب وقدراتهم في كل عام دراسي.
• تطوير الموهبة: يُظهر الموهوبون نمواً في المهارات الاجتماعية؛ والعاطفية؛ والنفسية-الاجتماعية اللازمة للإنجاز في نطاقات مواهبهم و/أو مجالات اهتماماتهم.
• استراتيجيات طرائق التدريس: يعطي الموهوبون دليلًا على قدراتهم المحتملة أو مستوى إنجازهم في نطاقات مواهبهم و/أو مجالات اهتماماتهم؛ ويصبحون محققين مستقلين.
• المصادر: يتمكّن الموهوبون منْ إبراز النمو الذي يتناسب وقدراتهم كنتيجة لوصولهم إلى مصادر عالية الجودة للمنهج الدراسي.
فيما يلي ملاحظات سُجِّلتْ بشأنِ بعض التَّجارب الخليجية والعربية مرتبطة بتصميم البرامج الإثرائية بنماذجها وأساليبها، ومنها:
• طرح بعض المؤسسات لوحدات إثرائيّة (مجموعها يمثِّل برنامجًا إثرائيًّا) ضعيفة من حيث المحتوى المعرفي؛ والمهارات المختلفة؛ وأساليب التفكير، خاصَّةً عندما يُتْركُ المعلم وحده في إعدادها، أو تُعدُّ بسرعة منْ غير تأنٍّ أو تمهُّل.    
• عدم كفاية الوحدات الإثرائيّة (مجموعها يمثِّل برنامجًا إثرائيًّا) من حيث عددها وساعاتها؛ إذ أنَّ بعض الموهوبين يدرس فقط وحدتيْن إثرائيَّتيْن طيلة العام الدراسي، مما يؤدِّي إلى تكلُّس منطقة النفع المُتوقَّع.     
• توفير وحدات إثرائيّة (مجموعها يمثِّل برنامجًا إثرائيًّا) تصلُحُ لموهوبين في مجالاتٍ مُحدَّدة تُطرح للجميع، في حين الموهوبين منْ مجالاتٍ أخرى لا تمتُّ لها بصلة اهتمام أو ميل.    
• اعتماد وحدات إثرائيّة (مجموعها يمثِّل برنامجًا إثرائيًّا) جاهزة منْ غير تكييف أو دراسة متأنيّة لأهدافها وطبيعة محتواها وواقعيّة تنفيذها أو حتّى إخضاع معلِّميها لتدريب شامل.      
• طول مدّة تدريس بعض الوحدات الإثرائيّة وتمطيطها إمّا لعدم كفاية عددها أو لعدم وجود حِصص ثابتة في الجدول المدرسي ملائمة محتواها، مما تجعل معلم الموهوبين في حالة استعطاف للآخرين؛ كي يتكرَّموا عليه بحصَّة أو حصَّتيْن.    
• اقتصار ما يقدَّم للموهوبين من برامج إثرائية على مواد عامة هدفها تطوير مهارات التفكير المنتج فقط من دون تركيز على موهبة معيّنة أو محتوى معلمي رصين.
• تكليف معلمين ممَنْ نصابهم أقلّ من غيرهم كي يقوموا بتدريس الموهوبين، الأمر الذي يقلق الطلبة ويجعلهم يأنفون من الاستمرار في البرامج الإثرائية.
ومن أجل تجسير الفجوة وردمها بين البرنامج المكتوب والبرنامج المنفذ ونتاجات التعلم، وتصحيح بعض المسارات المرتبطة بتصميم البرامج الإثرائية اقترحَ بعضُ الباحثين تصميم البرنامج في وحدات إثرائية تتضمن جميع التفصيلات المتعلقة بخصائص الموهوبين وحاجاتهم وأهداف المؤسسة ورؤيتها المستقبليّة المتِّسقة مع تطلّعات المجتمع وآماله. ومن الأسئلة الجوهرية التي تحدد إجاباتها المواصفات العامة للوحدات الإثرائية (يُمثِّل مجموعها برنامجًا إثرائيًّا واحِدًا) المترابطة منْ حيث مجال الموهبة ومستوى الفئة المستهدفة نورد ما يلي:
• ما المتطلبات القبلية للإفادة منَ الوحدة الإثرائية؟
• ما الهدف العام أو الأساسي المنطقي للوحدة الإثرائية؟
• ما النواتج التعلمية للوحدة الإثرائية؟ أو ما الذي سوف يتعلّمه الطالب؟
• ما النشاطات التي سيقوم بها المتعلم كما تعكسها نماذج منْ أسئلة النقاش والتمرينات؟
• ما استراتيجيات التعليم التي سيمارسها المعلم؟
• ما المواد والأدوات اللازمة لتنفيذ الوحدة الإثرائية في غرفة الصف؟
• ما الاختبارات الملائمة وأدوات التقييم الأخرى لأداء وتعلم الطالب؟
• ما الأجزاء التي يمكن تعلمها عنْ طريق الدراسة الذاتية؟
• ما المراجع التي يمكن استخدامها منْ قبل المعلم والمتعلم للإحاطة بموضوع الوحدة الإثرائية؟
• ما موقع الوحدة الإثرائية منَ البرنامج والعلاقة بينها وبين مكوّناته الأخرى؟
كما أنَّ هناك بعض الاعتبارات الجزئية في هذا الجانب نقترحها على النحو الآتي:
• تحديد أوقات تقديم خِدمات الرعاية المُتاحة سواء داخل الفصل و/أو مرفق المدرسة المختلفة (مثال: مختبر الحاسوب، مختبر العلوم، المرسم، مركز مصادر التعلُّم) و/أو التعلُّم الذاتي في المنزل و/أو العقود التعليميّة (مثال: التلمذة المهنيّة، التعاون مع المؤسسات والشركات).
• تعيين موضوعات البرامج الإثرائيّة ومفردات ما يمثّله المحتوى المعرفي ومهارات القرن الواحد والعشرين ومنهجيّة البحث العلمي والدراسة المستقلّة، وتوزيعها على المراحل التعليميّة (رياض الأطفال – 12) بصفوفها المختلفة.
• تدريب المعلمين الذين سوف يقومون بتنفيذ هذه الخِدمات المتنوِّعة الإثرائيّة منها، وبرامج تنمية مهارات التفكير المختلفة كـ(برنامج التفكير الإبداعي للصفوف 1-3 ، برنامج كوت التفكير الجزء الأوَّل 4-6، برنامج حلّ المشكلات المستقبلية للمرحلة 7-9، وكذلك وحدات تعليمية قائمة على نموذج STEM، إضافةً إلى برامج إثرائية في مجال موهبة مُحددة كالرّسم أو الابتكار أو الحساب الذهني). 
• تدريب كلّ المعلمين حول استراتيجيّات تعليم الطلبة ومنْ ضمنهم الموهوبين في الفصل كلّ بحسب مادته التي يقوم بتدريسها مع التركيز على تنمية مهارات القرن الواحد والعشرين.
• اختيار استراتيجيات تقديم البرامج الإثرائيّة وفق الوقت المتاح والمكان المتوفِّر والإمكانات المرصودة والمدة الزمنيّة المسموح بها ضمن خطّة المدرسيّة السنويّة.
• تقويم أثر خِدمات الرعاية الشاملة للموهوبين بشكلٍ دوري تُحدده المؤسسة.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .