العدد 5680
الجمعة 03 مايو 2024
banner
نوح الجيده
نوح الجيده
خفّة الكلمة
الثلاثاء 19 يوليو 2022

تعليقًا على حدثٍ معتادٍ في حياتي، تصلني رسالةٌ غير متوقعةٍ من أستاذٍ قديمٍ لطيفِ العبارةِ حسنِ الأسلوب -نسيتُه بحكم الزمن وبُعد المسافة- جعلتني مشاعره أوقف عقارب الساعة كما تفعل الصورة وأتأمّل؛ كيف يمكن لكلمةٍ عابِرةٍ أن تكون عابرةً لقلبي تنفذ إلى أعماقه بهذه الخفّة؟

إنّ للكلمة اللطيفة يدًا تخرج من فمِ قائلها تربّتُ على الأكتاف المثقلةِ بالهمّ، وتمسح دمعة الحزن وهي تقاوم العيون الغارقة بالألم، وتمتدُّ لكلّ من سقط تعيده لمعترك الحياة من جديد، كما تهبُ اليائس أملًا، والغافل نورًا، والتائه دربًا بعدما ضلّ الطريق.

فهل جرّبت أن تبادر بالكلمة الطيبة دون الحاجة إلى مبرّرٍ يدفعك لقولها؟ ولو أنّ أحدنا رأى أثرها واستشعر لذّتها لعرف قيمتها الحقيقية، ولكن هذا زمن صعب ارتبطت فيه المشاعر الإنسانية بالصبغة الماديّة، وصرنا لا نتعامل إلّا بمنطق الربح والخسارة، وأنّ كلّ شيءٍ يمكن استبداله، بما في ذلك مشاعرنا تجاه الآخرين.

كما ساهمت "رقمنة العلاقات" في اتّساع المسافة بين المرء وقلبه، حتّى صار قاسيًا دون أن يشعر في جفافٍ غير مسبوق، وهو شكلٌّ من أشكال الحبّ السائل كما يصفه عالم الاجتماع البولندي "زيجمونت باومان" حيث يبدأ وينتهي بهذه البساطة: طلب الصداقة، ثمّ إلغاء المتابعة أو الحظر، وكأنّ شيئًا لم يكن دون أيّ اعتبارٍ لمشاعر الإنسان.

وهذه أمثلةٌ مصداقها واقعنا اليوم، ولكن الناس كثيرًا ما ينسونه في زحمة الحياة، مع العلم أنّه: "لا يمكنك أن تجعل هذا العالم لطيفًا وحريصًا على البشر الذين يسكنونه، لكن لابد أن تحاول، فالمحاولة هي الأمل". ومن المحاولة -يا صديقي- أن تعبّر بالكلمة اللطيفة في كلّ وقتٍ وحين، كما فعل أستاذي هذا.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .