العدد 5684
الثلاثاء 07 مايو 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
صورُ المَواهبِ في عَصر النُّبوة (3-4)
الخميس 21 أبريل 2022

تتمّة للمقالة السابقة، وما تمّ تناوله فيها من صورٍ لمواهب متميِّزة العطاء ومتنوِّعة المجال، إذ نعرض لغيرها وقوفًا على شخصيّات أصحابها ومدى أثرهم على المساحة التي استثمروا فيها قدراتهم الفذَّة خدمة لدينها.
قال زيد بن ثابت رضي الله عنه:" أتيَ بي النبي ﷺ مقدمَه المدينة فأَعجب بي، فَقيل لهُ هذا غلام منْ بني النَّجار قد قرأ فيما أَنزل اللهُ عليك سبعَ عشرةَ سورة فاستقراني فقرأت سورة (ق)، فقال لي: تعلَّم كتاب يهود فإنّي ما آمن يهود على كتابي، فتَعلمته في نِصف شهرٍ، وقال أيضًا: "قال لي رسول الله ﷺ: أتحسن السريانية؟ قلت: لا، قال: فتعلمها، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً".
• تفرَّس النبي ﷺ في زيد كاتب الوحي قدرتَه على الحِفظ والتعلُّم السريع والمُعتمد على الذات من دون كُتبٍ أو معلِّمٍ خصوصي، واستثمر قدراته وشغفه بما يخدم دعوة الاسلام بترجمة الرسائل المكتوبة والمخاطبات الشفهيّة مِمَن لا يتقنون اللغة العربية، ولا ننسى ترشيح الأم (تزكيتَها) لطفلها بناءً على معرفتها الدقيقة بما يمتاز به. وقد كان رضي الله عنه يتابِع وحي القرآن حِفظًا، وكان ﷺ كلّ ما نزلَ الوحيَ عليه بعثَ إليه فكتبَه، كما قال عنه ﷺ: "أفرض أمّتي زيد بن ثابت" لارتباط علم المواريث والذي ورد في القرآن الكريم بتفصيل لا يقبلُ الزيادة.  
عن ابن عُمر رضي الله عنهما أنَّ النبي ﷺ، بعثَ سرية فيهم أبوبكر وعمر فاستعمل عليهم أسامة بن زيد، وكان الناس قد طَعنوا فيه أيّ في صغره، فبلغ رسول الله ﷺ، فصَعد المِنبر وحَمِدَ الله وأثنى عليه، وقال: "إنَّ الناس قد طَعنوا في إِمارة أسامة بن زيد وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبل، وإنّهما لخليقان لها، فإنّه لَمَن أحبّ الناس إليَّ إلا فاطمة، فأوصيكم بأسامة خيرًا".
• تولّى القيادة العسكرية وهو ابن ثمان عشرة سنة رغم وجود كِبار الصحابة لتأمين حدود شبه الحزيرة العربية من هجمات الروم، وقد ورثَ هذا العلم بمهاراته وخبراته من النبي ﷺ وأبيه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو الحبُّ بن الحبّ، وكثيرًا ما كان لزيمًا للنبي ﷺ في أسفاره وترحاله يسمع منه ويُشاهد.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال له: "يا أبا موسى لقد أوتيتَ مزمارًا من مزامير آل داوود". وكان حَسَنُ الصَّوتِ يكونُ بحُسْنِ الأداءِ، يُبَيِّنُ الحروفَ ويُخْرجُها من مَخارِجِها، ويكونُ بحُسنِ النَّغمةِ بالصَّوتِ؛ يُحسِّنُ بها صَوتَه.استمع النبي ﷺ إلى قراءته ذات ليلة فأخبره بأنه أعجب بذلك، فقال: أسمعت قراءتي يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال لو علمت لحبَّرتُه لك تحْبيرًا.
• قال عنه أبوعثمان النهدي: ما سمعتُ مزمارًا ولا طنبورًا ولا صنجًا أحسن من صوتِ أَبي موسى الأشعريّ، إنْ كانَ ليُصلِّي بنا فنودّ أنهُ قرأ البقرة؛ من حسن صوته. وكان رضي الله عنه يُقْرِئ أهل البصرة، ويُفقِّههم في الدين، فكان إذا صلّى الصبح، استقبل الصفوف رجلًا رجلًا يقرئهم، حتى قال عنه الحسَن بن علي رضي الله عنهما: ما أتاهم راكبٌ خيرٌ لأهلها منه.
اشتهر الصحابيّ ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري بأنّه خطيب الرسول ﷺ، وكان يلّقب بخطيب الأنصار، وهو ممّن شهد لهم النبيّ ﷺ بالجنّة، وقد كان يتميَّز بصوته الجهوري ولغته البليغة وفصاحته.
• كان إذا جاءتِ الرسول ﷺ وفود العرب لتُفاخره أو تُناظره بألسنة الفصحاء ندبَ لهم ثابت بن قيس لمصاحبة الخُطباء. وشهد الغزوات مع النبي ﷺ كلّها من بعد بدر، واستشهد في معركة اليمامة، ورغم فضله وعطائه إلّا أنّه اشتهر أكثر في الدفاع عن الإسلام بصوته وبلاغته وقوّة حجّته أمام الوفود التي كانت تتفاخر بما لديها من شعراء وخطباء.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية