العدد 5696
الأحد 19 مايو 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
صورُ المَواهبِ في عَصر النُّبوة (2-4)
الجمعة 15 أبريل 2022

تتمّة للمقالة السابقة، وما تمّ تناوله فيها من صورٍ لمواهب متميِّزة العطاء ومتنوِّعة المجال، إذ نعرض لغيرها وقوفًا على شخصيّات أصحابها ومدى أثرهم على المساحة التي استثمروا فيها قدراتهم الفذَّة خدمة لدينها.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِين هذه الأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". هو أمير الأمراء. وجاء وفدُ "نجران" مسلمين وسألوا النبي ﷺ أنْ يبعثَ معهم من يعلِّمهم القرآن والسنة، فقال: "لأبعثنَّ معكم رجلاً أمينًا، حق أمين، حق أمين، حق أمين".
• هذا الإطراء من النبي ﷺ ليس مجاملةً ولا اعتباطًا، وإنّما صِدقًا وعدلًا فأبي عبيدة من العشرة المبشرين بالجنة، وقد أُمِّنَ على أسماء المنافقين ولم يفرِّط بتلك الأمانة حتى توفّاه الله تعالى. هذه الشخصية القويّة في إيمانها والقويّة على لَجْمِ خطرات نفسها لَهي حَرِيَّةٌ بلقب أمين الأمة رُغمَ بروزها كقائدة في المعارك الشرسة.  
عن جابر بن عبد الله قال: "قال النبي ﷺ  يوم الأحزاب من يأتيني بخبر القوم، فقال الزبير أنا، ثم قال: من يأتيني بخبر القوم، فقال الزبير أنا، فقال النبي: إنَّ لكل نبي حواريا وحواري الزبير". 
• لم يكن كبير السن، وإنّما ساهمت الفطرة في تكوين شخصيّته التي تميَّزت بالدافعية وحب المخاطرة والمغامرة والحماسة ووضوح الهدف، وساهمت البيئة المحيطة بظروفها غير المستقرَّة على رسوخ هذه الموهبة لديه، كما وأضفت لمساته الإبداعية على ما يمتلِكه رونقًا ولونًا لن ولم يتكرَّر على مرّ التاريخ. وكان الزبير من أمهر الفرسان فقد كان أحد اللذيْن يقاتلان بسيفين ويقود الخيل برجله. ويكفيه شرَفًا بأنّه أول من امتشق حُسامًا في الإسلام.
قال رسول الله ﷺ: "من أحبَّ أنْ يقرأ القرآن غضًّا كما أنْزِل فليقرأه على قراءة ابن أمِّ معبد". ورويَ أنَّ أبا مسعود عقبة بن عمرو قال: ما أرى رجُلًا أعلم بما أنزِل على محمد ﷺ من عبدالله بن مسعود، فقال أبو موسى الأشعري: إنْ تقُل ذلك، فإنّه كان يَسمعُ ولا نَسْمع، ويدخُل ولا ندخُل. وقيل عنه أيضًا: "إنَّك غلامٌ مُعلَّم".
• لقد خصّ النبي ﷺ ابن مسعود بمزايا منها دخوله الدائم بيته لتعلُّم القرآن قراءةً وتفسيرًا وأحكامًا مستنبطة؛ وذلك لِما وجدَ منه من قدرات الفطنة والنبوغ والاستعداد للتلقِّي، واستشرف منه من أمارات النباهة والاجتهاد في هذا العلم الشريف المقصد، وكان رضي الله عنه متواجِدًا على الدوام في كلِّ أحداث السيرة العطرة فقد هاجر إلى الحبشة والمدينة المنورة وأدرك القبلتيْن، وتولَّى قضاء الكوفة وبيت مالها. 
عنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال: "اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ". فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَال: "اهْجُهُمْ". فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ حَسَّانُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ فَقَالَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْىَ الأَدِيمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لاَ تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا – وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا – حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي"، فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِحَسَّانَ: "إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ". 
• صحابي من الأنصار ينتمي إلى قبيلة الخزرج، شاعر مُعتبر يَفِدُ على ملوكِ آل غسّان في الشام قبل إسلامه، عاش حتى خلافة علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه. شمسُ شِعره لا تحجبها غيوم السماء وإنِ اسودَّت، وقد عاش ستِّين سنة قبل الإسلام وبعده ستِّين أخرى مدافعًا عنه وعن رسوله ﷺ، والشعراء في عصره ليسوا بالقليل إلّا أنَّ هذه المَلكة بفصاحتها وقوّة بيانها كانت بمثابةِ الشَّامة التي لا تُخطِئ النَّاظر من الإعجاب بها واحترامها وهيْبَتَها.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية