+A
A-

خليفة العريفي.. من ورثة السائرين على دروب عمالقة المسرح

المسرحية لا تأخذ حجمها الحقيقي ولا تكتمل لها عناصر المسرحة إلا إذا اتصلت بالجمهور، وعرضت على الخشبة، بمعنى.. لابد أن يكون هناك أخذ وعطاء والمسرح الذي يقدمه لنا الفنان والمخرج القدير خليفة العريفي هو مسرح الأخذ والعطاء بين الممثل والجمهور، فالعريفي تنطبق عليه مقولة “إن في داخل كل فنان صراخ صامت هو مادة فنه”.

الأعمال المسرحية التي يخرجها العريفي تكون مثل التأويل في اللوحة، فهو يريد أن يدفع المشاهد إلى تحليل نفسه واكتشافها من خلال مشاهدة الممثل، الذي يعبر عن دوافعه الداخلية الباطنية، لكن ما يحصل في الحقيقة اننا نرى ممثلا يعبر عن دوافعه الداخلية، إلا أن هذا التعبير غير حقيقي بالمطلق أو بالأحرى غير صادق بالمطلق، ذلك أن هذه الدوافع غير حرة إطلاقا، بل إنها منضبطة، فالممثل لا ينفلت بالمرة، بل إن هناك انتظاما وسيطرة على النفس. خليفة العريفي مخرج ذكي جدا وثائر على النظرة التقليدية في الإخراج؛ لأن تكنيك الممثل عنده يثير عواطف المتفرج ومخيلاته بقوة غريبة، حتى أن المتفرج يحس بنفسه أنه متضايق جسديا لدى مشاهدته ذلك العرض، وقد شعر الكثيرون ممن رأوا مسرحية “الملك هو الملك” تأليف، سعد الله ونوس وإخراج  خليفة العريفي وعرضت في 18 يونيو 1996 حسب وجهة نظري وكحاضر للعرض حينها.  

خليفة العريفي وطوال تجربته المسرحية، خلق تكنیكا جبارا للمثل، وفي فكره أن هذا التكنيك سوف يخلق جمالية، إلا أن هذا التكنيك الرائع الضخم والخارق يجعل المشاهد يكتفي بالتفرج على التكنيك بحد ذاته ويعجب به. وهكذا فنحن مع خليفة العريفي لم نخرج عمليا عن دائرة الإبداع ومبدأ الفن للفن، فهو قد خلق مبدأ التكنيك كهدف بحد ذاته، كما أنه “وليعذرني استاذي خليفة” يشبه كبار المخرجين الروس الذين حفلوا جميعهم بأدب مكسيم جوركي خصوصا، وهم توفستونوكوف، وبا بوتشكين، وليفانونف، فهؤلاء الثلاثة الكبار يشتركون في ميزات فنية مهمة، كتوخيهم الوضوح الكامل في رسم الشخصيات ونأيهم عن الضعف، وتحررهم من التزام المتبع والمألوف في الإخراج المسرحي والتعبير. إنهم ينفردون بميزاتهم الخاصة وأسلوبهم الفني، وزاويتهم التي ينظرون منها إلى القصة وأشخاصها. خليفة العريفي.. من ورثة السائرين على دروب عمالقة المسرح.