+A
A-

احذر مما تقرأ!

الجميع يحث على القراءة، فالقراءة هي أصل العلم والثقافة، ونحن هنا لا نُحذر من القراءة، بل نُحذر من المادة التي تُقرأ وطريقة قراءتها؛ لأن القراءة الكثيفة قد يتكون لها نتائج عكسية.

بعض القُراء لا يُعطون أنفسهم مجالا للتفكير والتأمل فيما يقرأونه. نعم القراءة لها فوائد عظيمة، لكن لابد أن نتفكر فيما نقرأ، ولابد أن نُبدي رأينا الشخصي في ذلك أيضًا، القراءة المكثفة قد تؤدي إلى التشبع الفكري أو إلى أن يعيش القارئ في قوقعة مغلقة، فيبقى القارئ متجولا في أفكار الآخرين دون أن يكون له رأي شخصي فيما قرأه.

يجب أن نتوخى الحذر فيما نقرأ؛ لأن موضوع الكتاب أو آراء الكاتب قد تتعارض مع أهدافنا أو قيمنا أو شخصيتنا أو حتى عقيدتنا، فيؤدي ذلك إلى حدوث تضارب وتشوش في الفكر، يجب ألا نعتبر جميع الأمور المذكورة في الكتب مسلّمات، فكاتبها من البشر قد يُخطئ أو يصيب، وما يكتبه عبارة عن وجهة نظر قابلة للنقاش وقابلة للرفض أيضًا.

بعض القُراء يُطبقون جميع المعلومات المذكورة في الكُتب ويصدقونها حتى دون التأكد من مراجعها أو منطقيتها أو فعاليتها، وقد يتضرر بعض القراء من ذلك خصوصًا لو كانت تجربة معينة للكاتب، فالقارئ قد يكون متقمصًا لشخصية الكاتب من دون أن تكون هذه الشخصية مناسبة له أو قد ينتحلها بشكل خاطئ دون أن يشعر بذلك. قد يختلف زمان الكاتب، بيئته، شخصيته، ظروفه، لغته، عاداته وتقاليده، دينه، وبالتالي تنعكس هذه الأمور على القارئ.

القراءة تجعل القارئ يُبحر في عوالم وأزمان مختلفة، ولكن أحيانًا تجعله يغرق في عالم الأحلام والأوهام، فيضطر إلى أن يبتعد عن الواقع ويهرب من المشاكل ليعيش في العالم الوهمي المثالي ليصرف نظره عن عالمه الحقيقي الكئيب.

من جانب آخر، القراءة تُعتبر رمزًا لتحضر الشعوب، نورًا للعقول وميسرًا للدروب، كما أنها تغطي العيوب الفكرية المليئة بالثقوب، هي رمز للحكمة والوجود، القراءة قد تختصر سنوات من الخبرات والمعاناة في كتاب واحد، وقد تجعلنا تعيش في أزمان وعوالم مختلفة في ساعات قصيرة، ناهيكم عن المعلومات والمفردات المُستفادة منها، لكن يجب أن علينا أن نُدرك شيئين مهمين قبل أن نقرأ: ماذا نقرأ وكيف نقرأ.

 

مصطفى العديلي